[النفس الأمارة]
أما النفس الأمارة -أسأل الله أن يعيذني وإياكم من شرها- فهي النفس التي تدفع صاحبها دفعاً إلى المعصية، وتحاول تلك النفس الخبيثة أن تخرج صاحبها من طريق الهداية إلى طريق الغواية، والطاعة إلى المعصية، والخير إلى الشر.
لو أتيت الليلة إلى مثل هذا المسجد المبارك لتقضي وقتاً مع الله جل وعلا في صلاة القيام الذي قال في حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقفت النفس الأمارة لك بالمرصاد، تريد أن تحول بينك وبين هذا الخير.
والناس صنفان: صنف انتصر على نفسه وقهرها وغلبها، وفطمها عن المعصية، وألجمها بلجام التقوى، وجعلها مطية إلى كل خير وطاعة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هذا الصنف الكريم، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٧ - ١٠].
صنف أفلح في تزكية نفسه، زكاها بالطاعة وبالبعد عن المعصية والشهوات والشبهات، زكاها عن كل ما يغضب الله عز وجل.
وصنف قهرته نفسه، وغلبته نفسه، وجعلته -النفس- مطية إلى كل هوى وشهوة ومعصية وذنب، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٧ - ٤١].
فالنفس أمارة بالسوء، قال الله تعالى في حق هذه النفس حكاية عن امرأة العزيز: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف:٥٣].
هذه النفس الأمارة تستوجب من المسلم التقي الذكي أن يكون منتبهاً مستيقظاً فطناً، فقد تزين لك المعصية والتسويف في آن، فينبغي أن يكون المؤمن حذراً من هذه النفس الأمارة، وأن ينتبه إليها، وأن يقف معها لا أقول في كل ليلة، بل مع كل كلمة وعمل، بل قبل القول، وبعد القول، وقبل العمل، وبعد العمل، ليحاسبها محاسبة الشريك الشحيح لشريكه في التجارة، وإلا لهلك الإنسان من حيث لا يدري ولن ينتبه إلا وهو في عسكر الموتى بين الأموات.
قال سليمان بن عبد الملك لـ أبي حازم الزاهد العابد العالم: [يا أبا حازم! ما لنا نحب الدنيا ونكره الموت؟ فقال أبو حازم: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم، وأنت تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب] من الذي يحب أن يترك العمران ويترك حياة الرفاهية ليذهب إلى الصحراء والخراب؟.
فقال سليمان: [يا أبا حازم! فما لنا عند الله جل وعلا؟ فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله لتعلم أين مكانتك عند الله جل وعلا، فقال: وأين أجد ذلك؟ فقال أبو حازم: في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:١٣ - ١٤] فقال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟! فقال أبو حازم: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦] فقال سليمان: فكيف القدوم على الله غداً؟ فقال أبو حازم: أما المحسن فكالغائب يرجع إلى أهله، وأما المسيء فكالآبق يرجع إلى سيده ومولاه].