أصارحكم -أيها الأحباب- أن هذه الصحوة إن لم يمتن ربنا عليها بحداة صادقين، وعلماء مخلصين، يصححوا للصحوة ولشبابها الانحراف العلمي، بل والعقدي بل والعملي؛ فيستبدد جهد الصحوة كما يضيع ماء الأمطار بين الوديان والشعاب، اللهم احفظها يا رب العالمينّ! إن الصحوة تحتاج إلى العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، الذين لا يجاملون الصحوة على حساب المنهج، يقف الداعية ناصحاً وإن ظن أن أحبابه وطلابه سيغضبون عليه فليعلم يقيناً أنه لا يعمل لحساب مخلوق، إنما يعمل من أجل مرضاة الخالق، لو خشيت أن تقول خوفاً من أن تتهم؛ فصحح الأوبة وجدد التوبة، فإنك تحتاج إلى صدق نية، وإخلاص سريرة، وتصحيح عمل.
ولا يكاد يختلف اثنان ممن يعملون الآن للإسلام أن العقبة الكئود التي تقف في طريق الصحوة، وفي طريق الحركة الإسلامية هي الخلاف، التشرذم، التهارج، فالخلاف شر وعذاب، ويكفي أن تعلم أن الذي حذر من ذلك هو الملك التواب، وحذر من ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}[الأنفال:٤٦] فالفشل قرين التنازع، {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:٤٦] فالتنازع يبدد القوى، التنازع يبدد الجهود ولو كانت جبارة.
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران:١٠٥ - ١٠٦] قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف، {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران:١٠٦ - ١٠٧]، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود الوجوه، واجعلنا من أهل رحمتك يا أرحم الراحمين! وقال الله تعالى:{وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:١١٨ - ١١٩]، الخلاف شر، وأود أن أنبه أحبابي من طلاب العلم ومن الدعاة إلى حديث باطل يتردد في الغالب على ألسنة البعض، ألا وهو (خلاف أمتي رحمة)، فهذا حديث باطل لا أصل له، فالخلاف شر وعذاب.