وها نحن نضع الخطوات العملية لكي يكون الإسلام كلاً لا يتجزأ: ولابد أن نفهم هذه الحقيقة فهماً جيداً؛ لأن كثيراً من المسلمين ينتسب إلى الإسلام بشهادات الميلاد والبطاقات العائلية والشخصية، وهو بعيد كل البعد عن تعاليم وقيم الإسلام، بالله عليكم قولوا لي: ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وهو يغش الميزان! وصار الكيلو جرام يساوي تسعمائة وخمسين جراماً فقط، سبحان الله! وإذا ذهبت لتاجر وقلت له: أعطني متراً من القماش، أعطاك (٩٥٠سم)، فالمتر أيضاً صار تسعمائة وخمسين سنتيمتر!! ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وهو لا يصلي، ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وهو لا يزكي، ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وزوجته سافرة عارية متبرجة، ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وهو يغتاب الناس ويمشي بين الناس بالنميمة، ما معنى أن يكون المسلم مسلماً وهو عاق لوالديه، وهو يؤذي الجيران، هل هذا الإسلام الذي تريدون؟ كلا والله! إذاً: لا بد أن نعلم علم اليقين أن العقيدة هي الأساس، وإن صلحت العقيدة صلح البناء كله، وإن فسدت العقيدة فسد البناء كله، من أجل ذلك فإني أنادي على إخواني من الدعاة أن يبدءوا أولاً في هذا العصر وفي هذه الأيام بما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في بناء العقيدة، لماذا؟ لأنني أرى كثيراً من الدعاة يركز على جوانب فرعية -كما قال أخي الشيخ عمر - وينسى الأساس، وبالله عليكم: هل يقول عاقل: إنه من الممكن أن نقيم هذا السقف بدون هذا الأساس وهذه الأعمدة؟! يا إخواننا! نريد أن نقف وقفة هامة عند هذه الحقيقة، ألا وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو إلى العقيدة في مكة ثلاثة عشر عاماً كاملة، وهو الرسول المؤيد بمدد السماء ووحي السماء ظل النبي ثلاثة عشر عاماً كاملة يربي الناس على العقيدة، وعلى معنى لا إله إلا الله، بأوامرها ونواهيها، ومقتضياتها وحدودها، لماذا؟ لأنه لو رسخت العقيدة في القلوب، واطمأنت لها النفوس، وانقادت لها الجوارح، لصلح الأمر؛ لأن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان، ولكن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان.
لو رسخت معاني لا إله إلا الله في القلوب لأصبح الإنسان بعد ذلك مهيئاً لأن يقيم كل نظام الإسلام، بكل جزئياته وتصوراته، لأجل ذلك ظل النبي يربي الصحابة ثلاث عشرة سنة على العقيدة.
وبعد هذا لما هاجر النبي إلى المدينة ونزلت آيات التشريع وآيات المعاملات، قال الله جل وعلا: الخمر حرام، فقالوا: سمعنا وأطعنا، انتهينا ربنا، وقال: الربا حرام، فقالوا: سمعنا وأطعنا، انتهينا يا ربنا، لماذا؟ لأن العقيدة بنيت، لأن القلب أصبح على أتم الاستعداد للتلقي عن الله، ورسخ فيه معنى الإيمان ومعنى التوحيد، فأصبح هؤلاء العمالقة الصحابة في غاية الاستعداد لتلقي النظام الإسلامي كله، بكل فروعه وتصوراته وجزئياته، نهى الله فانتهوا، وأمر الله فأتمروا، وحد الله حدوداً فوقفوا جميعاً عند حدود الله.