[ترك الجهاد في سبيل الله]
ثانياً: ترك الجهاد في سبيل الله، وأنا أعلم أن الحديث عن الجهاد تهمة يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام، لكنه حق فترك الجهاد في سبيل الله من أخطر أسباب الذل والهوان والضعف والعار الذي شربته الأمة ألواناً وأشكالاً، هذا قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، والحديث رواه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده من حديث ابن عمر وصححه الشيخ الألباني ومن أهل العلم من حسنه ومنهم من ضعفه، من باب الأمانة العلمية أقول، ولم أقف على الراجح من أقوالهم بعد، والشيخ أبو إسحاق يصححه جزاه الله خيراً: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله -ما النتيجة؟ - سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) والله إنه الذل.
يا إخوة: أعتقد أنه لا يوجد الآن مسلم على ظهر الأرض عنده مسحة من عقل وبصيص من نور إلا وقد علم يقيناً أن جميع المحافل الدولية كمجلس الأمن وهيئة الأمم وحلف الأطلسي إلى آخر هذه المحافل لن تعيد لهذه الأمة المكلومة جراحها ولا دماءها وأرضها ومقدساتها، لن يعيد للأمة الجراح والأرض والمقدسات والعرض والشرف إلا إذا عادت الأمة من جديد إلى ربها وسنة نبيها، ورفعت لواء ذروة سنام هذا الدين.
بكل أسف! إذا تحدث الآن أحد عن الجهاد اتهم أنه يدعو للإرهاب والتطرف؛ لأن الإعلام لا بارك الله في القائمين عليه شوهوا صورة الجهاد المشرقة، ولذلك قامت قيامة الإعلام ولم تقعد لما نادى شيخ الأزهر في خبر بسيط جداً في زاوية من زوايا جريدة من الجرائد لما نادى بالجهاد في سبيل الله، وقال: إنه السبيل الوحيد الذي سنقاتل به اليهود.
سبب من أسباب الذل والهزيمة ترك الجهاد، أمة اثاقلت إلى الوحل والطين، وأنا ذكرت قبل ذلك على هذا المنبر في خطبة على البوسنة حينما قلت: إننا نرى الأمة الآن قد ضنت بالدعاء فهل ستجود بالأموال والدماء؟! اسأل نفسك! هل تدعو الله عزوجل لنصرة الدين في كل سجدة؟ هل تدعو الله عزوجل لإخوانك المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها في كل سجدة؟ سل نفسك! أنا أثق أننا لو قدمنا استمارة استبيان الآن وحددنا فيها هذا السؤال لوجدنا النتيجة مؤلمة، هذا في وسط الملتزمين فما ظنك بوسط الغافلين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول لي مدير مدرسة، مسؤل عن تربية نشء، يقول لي بعد مؤتمر صانعي السلام: أظن أنه الآن أيها الشيخ لا تستطيع أن تتكلم عن اليهود وعن غير اليهود، فهم أبناء عمومتنا وهم إخواننا، وينبغي أن نمد إليهم يد الصداقة، وقد قال فلان وفلان كذا وكذا.
يعني: عقيدة الولاء والبراء قد مسخت الآن من القلوب، أنا أقول لك: هذا مدير في مدرسة ولاّه الله عز وجل تربية نشء، لا يعرف شيئاً عن عقيدة الولاء والبراء، ورحم الله من قال:
لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر
وواليت أهل الحق سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصر
فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هناك ستذكر
مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر
وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر
هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر
ويقول آخر:
أتحب أعداء الحديث وتدعي حباً له ما ذاك بالإمكان
وكذا تعادي زاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان
إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان
فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بهتان
نسخت ومسخت عقيدة الولاء والبراء، غابت مع غياب العقيدة بمفهومها الشامل الكامل.
فمن أخطر الأسباب ترك الجهاد، نسأل الله أن يرفع علم الجهاد، وأن يقطع سبيل أهل الزيغ والفساد، وأن يشرفنا وإياكم بالجهاد في سبيله.