للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نفخة البعث]

وتأتي بعد ذلك نفخة البعث، يوم أن يحيى الله إسرافيل وجبريل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، فينادي الحق تبارك وتعالى ويقبض الله الأرواح بيمينه، فأرواح المؤمنين تتوهج لها ضياء ونور، وأرواح المشركين لها ظلمة، فيقبضها الله بيمينه ويضعها في الصور، ويأمر الله إسرافيل بالنفخ ثم يقول: وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده! صاروخ موجه من قبل من يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩].

ثم ينادي مناد من قبل الحق على أهل القبور ويقول: أيتها العظام البالية، أيتها العظام الناخرة، قومي لفصل القضاء بين يدي رب الأرض والسماء! فيخرج الجميع بعدما أحياهم الله، وبعدما انشقت عنهم الأرض، ونبينا أول من تنشق عنه الأرض، يخرج الناس حفاة عراة غرلاً، والحافي هو من ليس في قدميه نعل، والعاري هو من ليس على بدنه ثوب، و (غرلاً) جمع أغرل، والأغرل هو الصبي قبل الختان، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:١٠٤].

فيخرج الناس مذهولين مذعورين، فكلهم في فزع، وكلهم في رعب، والكل شاخص ببصره إلى السماء ينتظر الأمر من الله جل وعلا.

والشمس فوق الرءوس، ها هي أرض المحشر، وها هو يوم البعث، (ويوم يبعث حياً) يوم أن نبعث من القبور حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: (الرجال مع النساء يا رسول الله؟ قال: نعم يا عائشة، قالت: يا رسول الله! ينظر الرجل إلى سوءة المرأة، والمرأة إلى سوأة الرجل؟ قال: يا عائشة! إن الأمر أكبر من أن يهمهم ذلك، أما قرأت قول الله جل وعلا: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٧]).

الكل شاخص ببصره ينتظر الأمر من الله، وفجأة تتنزل الملائكة صفوفاً، أهل السماء الأولى من الملائكة يصفون، ويقفون إلى جوار الخلائق وفيهم الأنبياء، تنزل الملائكة وهي وتنظر الخلائق إلى الملائكة المخلوقات النورانية، فتقول الخلائق للملائكة: أفيكم ربنا؟ فتقول الملائكة: سبحان الله! كلا، وهو آت.

يأتي إتياناً يليق بكماله وجلاله للفصل بين العباد، وللقضاء بين العباد، وتتنزل الملائكة من السماء الثانية ومن الثالثة حتى السابعة، وبعد ذلك ينزل حملة العرش لهم صوت بتسبيحهم وهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان من لا يذوق الموت، سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح.

وبعدها ينصب الكرسي حيث شاء الله وحيث أراد الله، وينزل الملك نزولاً يليق بكماله وجلاله، وكلما دار ببالك من صفات الله فالله بخلاف ذلك، ويستوي الملك على كرسيه استواءً لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام، وللكلام بقية، ولكنني أكتفي بهذا القدر وأسأله الله العظيم رب العرش الكريم، أن يحشرنا في زمرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.