[تعريف الإمام علي رضي الله عنه للتقوى]
وقال الإمام علي رضي الله عنه: التقوى هي: العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
(العمل بالتنزيل) سل نفسك: أين أنت من أوامر الله جل وعلا؟ وأين أنت من نهي الله جل وعلا؟ وأين أنت من حدود الله جل وعلا؟ هل نفذت أوامر الله؟ وهل انتهيت عن نواهي الله؟ وهل وقفت عند حدود الله جل علا؟ إن الله لم ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة من بعده لتحلى به الجدران، أو لتحلى به الصدور، أو ليقرأ على القبور، أو ليوضع في البراويز الذهبية والفضية، أو في علب القطيفة؛ ليهدى في المناسبات الرسمية وغيرها.
{طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:١ - ٢]، يقول صاحب ظلال القرآن: يا محمد! ما أنزل الله عليك هذا القرآن لتشقى به، أو لتشقى بتكاليفه، أو لتشقى به أمتك من بعدك، ولكن ما أنزلنا عليك هذا القرآن إلا لتقيم به أمة، وإلا لتنشئ به دولة، وإلا لتربي به العقول والقلوب والضمائر والأخلاق، هذه مهمة القرآن.
ويوم إن هجرت الأمة القرآن أذلها الله جل وعلا، ولا عزة للأمة إلا إذا عادت إلى مصدر عزها، ألا وهو قرآن ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
اعرض نفسك على كتاب الله جل وعلا، لترى أين أنت من الأوامر والنواهي والحدود؟ وهذه من بنود التقوى.
(والرضا بالقليل) أن تحمد الله جل وعلا على ما امتن به عليك، فإن من حرم القناعة لن يملأ عينه إلا التراب.
النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبيت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هي القناعة فالزمها تكن ملكاً لو لم تكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن (والخوف من الجليل) أن تراقب الله جل وعلا في سرك وعلنك، وأن تخشى الله تبارك وتعالى.
(والاستعداد ليوم الرحيل) لا تنشغل بهذه الفانية عن دارك الباقية، والله لست بمخلد في هذه الأرض.
أيا عبد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا أنسيت لقاء الله واللحد والثرى؟ ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا ولو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا استعد ليوم ستعرض فيه على محكمة قاضيها الله، لا تقبل الرشوة، ولا تقبل المحسوبية، ولا تقبل المحاماة، ولا تقبل الاستئناف للأحكام، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].
الاستعداد ليوم الرحيل، ليوم ستنام فيه على فراش الموت، ولا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تحول بينك وبين أمر الله جل وعلا.
حتى ولو اجتمع إليك أطباء الدنيا فلن يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين قدر الله عز وجل، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩]، والحق: أنك تموت، والله حي لا يموت، والحق: أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب، والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران.
{ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩]، أي: ذلك ما كنت منه تهرب وتفر وتجري، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ثم ماذا أيها القوي الفتي؟! أيها الذكي العبقري! يا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩]، وصدق من قال: كل باك فسيبكى، وكل ناع فسينعى، وكل مذكور سينسى، وكل مذخور سيفنى، ليس غير الله يبقى، من على فالله أعلى.
(العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل) هذه بعض اللمحات في التقوى، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتقين، إنه ولي ذلك ومولاه.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.