[غسل الميت والصلاة عليه ووضعه في القبر]
أيها الإنسان الغافل! يقوم أحب وأقرب الناس لديك إلى من يغسلك، وإلى من يخرجك من بيتك، وصدق من قال:
وقام عني أحب الناس في عجل نحو المغسل يأتيني يغسلني
فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعوني على الألواح منطرحاً وصار فوقي خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
وحملوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفي من يشيعني
وأخرجوني من الدنيا فوا أسفا على رحيل بلا زادٍ يبلغني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني
وأنزلوني إلى قبري على مهل وقدموا واحداً منهم يلحدني
حمله أحب وأقرب الناس إليه إلى أطباق التراب وأهالوا عليه التراب بأيديهم، وصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي أخرجه مسلم، من حديث أنس رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة، يرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله).
هكذا أيها المسكين حملك أحب وأقرب الناس لديك، وهناك في التراب وضعوك، وللحساب عرضوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا عملك ثم رحمة الله الحي الذي لا يموت! هناك وضعوك بين أطباق التراب وضعوك في بيت الوحشة والغربة والدود والضيق وضعوك في بيت الظلمة إلا لمن وسعه وأناره الله عليه.
هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم
وضعوك هناك في دارك الحقيقية إلى أن يأمر الحق جل وعلا إسرافيل بالنفخ في الصور، فتخرج الأجساد من القبور حفاة عراة غرلاً للعرض على محكمة الله جل وعلا.
تلكم المحكمة -أيها الأحباب- التي لا تقبل الرشوة ولا تقبل المحسوبية ولا تقبل المحاماة، ولا تقبل الاستئناف للأحكام؛ لأن قاضيها هو الواحد الديان، عنوانها: {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧]، عنوانها: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦]، عنوانها: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨]، هنالك وضعوك وللحساب عرضوك، ولو ظل واحدٌ معك ما نفعك، ولو ظلوا معك جميعاً ما نفعوك!