للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تعدد الجماعات الإسلامية]

السؤال

نظراً لوجود الجماعات في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وتعددها، فهذا من الأنصار وهذا من المهاجرين، وهذا من أهل الصفة، وهؤلاء أهل البيعة، ومع اختلاف الجماعات في أيامنا هذه وبعد الشق بينها وبين الجماعات الأولى التي كانت في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ما هو المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه الجماعات الإسلامية في هذا العصر؟

الجواب

أيها الأحبة: أركز المنهج في نقاط محددة فأقول: تعلموا الإسلام بشموله وكماله، وافهموا الإسلام فهماً صحيحاً كما أراده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفهمه، ثم حولوا هذا الإسلام الذي فهمتموه بشموله وكماله في حياتكم وبيوتكم إلى منهج حياة، وإلى واقع، ثم تحركوا بهذا الإسلام بشموله وكماله إلى الدنيا كلها، وارفعوا عن العوام جهلهم، واربطوهم بالإسلام وبينوا لهم حقيقة الدين، فلقد آن دورك أيها الموحد وأيها العملاق الحنون؛ فقم بعد فهمك للإسلام بشموله، واعمل به في بيتك وبين إخوانك وبين أهلك وأحبابك، وقم بعد ذلك وضم العالم كله إن استطعت إلى صدرك، وأسمعه خفقات قلبك الذي وحد الله جل وعلا.

قم ودثر العالم كله ببردتك ذات العبق المحمدي، قم واسق الدنيا كأس الفطرة لتروى بعد ظمأ، ولتحيا بعد موت، ولتهدى بعد ضلال، فمعك الحق والنور، اعرف هذا الحق، وحول هذا الحق في حياتك إلى منهج، وتحرك بهذا المنهج بعد ذلك إلى الآخرين.

ابذل على قدر استطاعتك لدين الله، وعلى قدر ما منَّ الله به عليك من طاقات.

يا إخوة! ذكرت أننا لا نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة على المنصات أو على المنابر، بل إننا نحتاج أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة لدين الله كل من موقع إنتاجه، وموطن عطائه ومسئوليته، نريد الآن الكوادر الإسلامية المتخصصة التي تكون قادرة على تسيير شئون الحياة كلها من منظور الإسلام.

أريد الطبيب المسلم الذي يجسد الإسلام في موطن عمله، والمهندس المسلم الذي يحول الإسلام إلى واقع على أرض عطائه وإنتاجه، وكذا أريد المدرس المسلم، والمرأة المسلمة، أريد الكوادر الإسلامية المتخصصة التي تخدم دين الله في كل مكان، وهناك الدعاة لهم دورهم ولهم وظيفتهم، أما أن نعتقد أنا نريد أن تتحول الأمة كلها إلى دعاة وخطباء ووعاظ، فلا.

كان هناك خالد بن الوليد اذهب يا خالد وادع الناس في اليمن، لا.

لا يقدر، ليست وظيفته هذه، بل اذهب أنت يا معاذ على اليمن، وأنت يا خالد أمْسِك السيف، فأنت سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه حسناً وأبي بن كعب؟ لا.

أتركه في القرآن يعلم الأمة القرآن، وعبد الله بن مسعود؟ علم القرآن، وحذيفة؟ احفظ أحاديث الفتن، وتعرف على الشر، وزيد تعلم الفروض والفرائض كل له دوره.

وهذا هو الذي أظهر لنا عظمة أصحاب النبي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختار الرجل المناسب فوضعه في المكان الذي يتناسب مع قدراته وكفاءاته وعطاءاته؛ فبذل كل واحد في الموطن الذي يناسبه أقصى ما عنده من طاقة لدين الله عز وجل، فبرع وأبدع وأفاد واستفاد.

تدبروا معي هذه الرسالة المباركة التي يرسل بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجراح على جبهة الشام، والجيوش على جبهة الشام بدأت تتخلخل، فأمر خالد بن الوليد أن يذهب بسرعة إلى أبي عبيدة بن الجراح، وأن يتولى القيادة العامة على جبهة الشام، وخالد بن الوليد سيف الله، ترياق الوساوس والشياطين، ويكتب رسالة، وانتبه لهذه الرسالة الجميلة الرقيقة، يقول أبو بكر الصديق: [بسم الله الرحمن الرحيم من خليفة رسول الله إلى أخيه أبي عبيدة بن الجراح، سلام الله عليك وبعد، فإني قد وليت خالد بن الوليد قيادة الجبهة في بلاد الشام، فاسمع له وأطع، ووالله ما وليته القيادة إلا لأني ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، وأنت عندي خير منه].

هنا التجرد، هنا العمل للدين بحق، وبصدق، وبرجولة، خالد رجل الساعة اذهب يا خالد فـ أبو عبيدة أمين الأمة تأخر الآن.

المكان لـ خالد، إذاً: يبرز خالد.

ونأتي لتعلم القرآن فنقول: لا.

تأخر يا خالد، وتقدم أنت يا بن مسعود كفاءات قدرات فليس كل الأمة نريد أن نحولها إلى وعاظ على المنصات، لا.

فمن يصنع؟ ومن يتاجر؟ ومن يرزع؟ ومن يبدع؟ نريد كل الطاقات التي في الأمة أن تتفجر على هذا الأساس.

أنا أقول: وجود الجماعات التي في الساحة من أكبر النعم لو كان الاختلاف بينها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، لو كان الخلاف الموجود الآن بين الجماعات التي تعمل للإسلام اختلاف تنوع، أي: هذه تجيد التنظيم، وهذه جماعة تجيد الحركة والتحرك لتبليغ الدعوة، وهذه جماعة تجيد التمحيص والتحقيق للروايات والتصفية والتربية، وهذه جماعة تجيد تحريك روح الجهاد في قلوب الأمة، وأنا أقف وأبدأ من حيث انتهى إخواني، وأبني من حيث بنى الآخرون لتتظافر الجهود، لا آتي وأهدم ما بنيت أنت.

إذاً: الخلاف هنا اختلاف تنوع يثري العمل الإسلامي، ويثري الحركة كلها، وحينئذٍ ليس هناك مشكلة في المسميات، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ لأن المسميات هذه كانت موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان هناك المهاجرون والأنصار، وأهل الصفة، وأهل بيعة الرضوان، لكن متى أنكر النبي أن توجد هذه المسميات؟ عندما تحولت إلى نعرات كما هو الواقع حينما تحولت إلى نعرة فقال: (دعوها فإنها منتنة) مجرد مسميات، والكل يعمل تحت لواء: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج:٧٨].

إذاً: التنوع إثراء للحركة كلها، ولكن الواقع يقول غير هذا؛ فالاختلاف الآن اختلاف تضاد، أنا الذي أقعد على المنصة، وأنت تتأخر ومن أنت لتقول ومن أنت ليرجع إليك؟ إنه مرض في القلب.

مرضان خطيران يا إخوة: الجهل والهوى، الهوى ملك ظلوم غشوم يصم الآذان عن سماع الحق، ويعمي الأبصار عن رؤية الدليل، فشيخي الذي أتلقى العلم على يديه هو الأوسع علماً، والأبلغ حجة، والأقوى بياناً، والأعظم دليلاً، والأسطع برهاناً، وجماعتي هي جماعة المسلمين، وما عداها من الجماعات فليست من جماعة المسلمين، قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢] ما شاء الله!! هذا هو الاستشهاد بالأدلة؟!! لا يليق هذا أبداًَ، فلو كان الاختلاف الآن اختلاف تنوع لأثرى هذا العمل كل على قدر استطاعته لخدمة الحركة الإسلامية، فنريد أن تتضافر الطاقات والجهود، ولو أن كل مسلم حمل هم الدين في قلبه، وفكر وهو نائم في الدين، وفي الدعوة: أعمل ماذا؟ وكيف أفكر؟ وكيف أخطط؟ وكيف أستغل المال؟ وكيف أستغل الزوجة؟ وكيف أستغل الولد؟ وكيف أستغل الكرسي؟ وكيف أستغل الوظيفة؟ وكيف أستغل كل طاقة منَّ الله بها علي في دين الله لتلتقي الجهود وتتضافر في وقت استغلت فيه كل الطاقات للباطل وللكفر.

إذاً: كلنا نفهم الإسلام بكماله وشموله، فلنعمل نحن بالإسلام؛ لأن مسألة أننا: إن شاء الله نكون (كنيفاً ملئ علماً) دون أن نحول هذا العلم إلى واقع، ليس له حاجة أبداً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢].

نحن لا نطلب العلم على أساس أن طلب العلم غاية يا إخوة، لا.

نحن نقول: إن طلب العلم وسيلة لغاية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] ليس مسألة أننا نأتي بالشباب احفظ كذا واحفظ كذا واحفظ كذا، وفي النهاية لا نجد شيئاً على أرض الواقع أخلاق بعيدة عن العلم الذي تعلمه، ومعاملات سيئة إلا من رحم ربك، ليس هذا هو الهدف، وليست هذه هي الغاية.

يقول علي: [يا حملة العلم! اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقاً، يباهي بعضهم بعضاً، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه وجلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم إلى الله عز وجل].

القضية ليست قضية تحصيل وهي الغاية، بل إنها وسيلة لغاية، لا خير في علم لم يورثك الخشية، ولا بركة في علم لم يقربك إلى الله، ولا نفع في علم لم يملء قلبك ذلاً ورهبة لله، إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب، كما يزل القطر عن الصفا، وكم من مذكر بالله وهو ناسٍ لله، وكم من مخوف من الله وهو جريء على الله، وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله، وكم من تالٍ لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله.

إذاً: نعلم ونتعلم ونفهم ونعمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٢ - ٣] {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤].

أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الصدق.

ثم بعد ذلك نحول هذا العمل إلى دعوة، فأنا أدعو بلساني، وأنت تدعو بمالك، وهذا يدعو من خلال وظيفته، وهذا يدعو بأولاده، وهذا يدعو بكتاب، وهذا يدعو بشريط، وهذا يدعو بهدية، وهذا يدعو بزيارة، وهذا يدعو بحضور محاضرة، وهذا يدعو بلصق إعلان.

الطاقات موجودة لكن نريد العمل، هذا دورك أيها المسلم ودور الأخت المسلمة، فقد آن الأوان لتبذل كل الجهود، ولتجيش الأمة كل الطاقات.

ثم بعد ذلك أيها الأحبة أقول: لا تتعجلوا لا تتعجلوا، من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، أتأتي