وبعدما رباهم على الإيمان بالله وعلى الإيمان باليوم الآخر عرفهم بأنفسهم، من أنت أيها الإنسان؟! وأجاب القرآن على كل تساؤلات الفطرة: من أنت؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ وما هو المصير؟ والتربية الإسلامية الصحيحة التي تقوم على إجابات واضحة في النفس والقلب والعقل والضمير لكل هذه التساؤلات هي وحدها الضمان الوحيد والأكيد الذي يمنح الإنسان السعادة والطمأنينة، ويحميه من الوقوع في القلق والشك والحيرة والاضطراب الذي وقع فيه كثير من الناس بعد الابتعاد عن هذا المنهج الرباني الكريم.
وعبر عن هذه الحيرة وعن هذا الشك وعن هذا القلق أحدهم فقال بلسان المقال: جئت ولكني لا أعلم من أين أتيت! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت! وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت!؟ كيف جئت؟! كيف أبصرت طريقي؟! لست أدري؟! ويمضي في هذا الشك وهذه الحيرة وهذا القلق، يمضي يقطع الطريق كالبهيمة السائمة! لا يعرف لحياته معنى، ولا يعرف لوجوده هدفاً، ولا يعرف لوجوده غاية، وصدق ربي إذ يقول:{لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:١٧٩] إنه وصف الله جل وعلا لهذا الإنسان الذي لا يدري! لكن المسلم المؤمن يعلم من الذي خلقه، ويعلم لماذا خلقه، ويعلم أن المصير: إما نعيم وإما جحيم، إما إلى جنة وإما إلى نار، ووالله أيها الخيار الكرام! لا يحس بهذه السعادة ولا بهذه الطمأنينة إلا من فقدها، نسأل الله أن يتم علينا وعليكم نعمة الإيمان.
الإيمان بالله جل وعلا، ذلكم هو منهج القرآن الكريم الفذ الفريد، ولا أستطيع أن أتوقف عند كل توجيهاته، فإن القرآن الكريم وجه الجماعة الأولى بجميع التوجيهات في جميع مناحي الحياة: السياسية والتعليمية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والمعاملات والسلوك إلخ، وبهذا الأسلوب التربوي الفذ الفريد المتكامل استطاع القرآن أن يربي الرعيل الأول هذه التربية السامقة، وأن يستحقوا الخطاب من الله جل وعلا:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠].
هذا هو مصدر التربية الأول الذي ما فرط الله جل وعلا فيه من شيء، وواجب على جميع مخططي وواضعي المناهج التربوية لأبنائنا وشبابنا أن يعودوا إلى هذا النبع الكريم الصافي، وإلى معين التربية الأول، إلى القرآن الكريم.