للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المؤمن عند قبض روحه]

إن المؤمن الذي ينام على فراش الموت يرى أموراً عظيمة، وكثيراً ما نسمع من الناس: أن فلاناً ابتسم وهو في سكرات الموت، وأن فلاناً والعياذ بالله أسود وجهه وهو في سكرات الموت! نريد أن نفهم ما هو سبب ذلك؟! عندما يكون المؤمن على فراش الموت، فإنه يرى الملائكة، ولا يراهم أحد غيره، ولذلك فإن الإنس والجن لا يرون شيئاً من ذلك، يرى ملائكة تقترب من بعيد، ويرى أنها ملائكة بيض الوجوه، طيبي الرائحة، معهم حنوط من الجنة، فيعلم أن هذه ملائكة الرحمات، فيبتسم.

أتدرون لماذا يبتسم؟ لأنه في اللحظة هذه وهو على فراش الموت يرى مكانه في الجنة.

يرى ملائكة من بعيد تقترب معهم حنوط من الجنة، رائحتهم زكية طيبة، ويجلسون عند رأسه -يحرسون المكان كله- وبعد ذلك يأتي ملك الموت، ويجلس ملك الموت عند رأس عبد الله المؤمن، حتى إذا ما انتهى الأجل المحدد من قبل الله عز وجل، ينادي ملك الموت على روح المؤمن، ويقول: (يا أيتها الروح الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض عنك غير غضبان).

يقول الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم: (فتخرج روحه سهلة سلسة، كما يسيل الماء من فم السقاء) يعني: القربة، انظر عندما تملأ قربة بالماء، ثم تصب منها ماءً، كيف ترى نزول الماء؟! ستجده ينزل بسلاسة، كذلك روح المؤمن تخرج سهلة سلسة جميلة.

فلا تدعها الملائكة مع ملك الموت طرفة عين، فيأخذون الروح، ويلفونها في حنوط من حنوط الجنة، وفي طيب من طيب الجنة، وهنا تصعد الملائكة بالروح الطيبة إلى الله، فيجيء ملائكة السماء الأولى، ويقولون: يا الله! لمن تكون هذه الروح الطيبة؟! ومن صاحبها؟! فتقول الملائكة التي تشيع الروح: إنها روح فلان بن فلان، بأطيب أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا.

وتعبر الملائكة سماء بعد سماء، حتى تنتهي الملائكة بالروح إلى خالق الروح، وهنا يقول الله جل وعلا لملائكته: يا ملائكتي! اكتبوا روح عبدي في عليين، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:١٩ - ٢١].

اكتبوه في عليين، ثم أعيدوها إلى الأرض، فمنها خلقناهم، وفيها نعيدهم، ومنها نخرجهم تارة أخرى، فتعاد إلى القبر حتى تسأل، وإذا ما دخل هذا العبد القبر استقبله القبر وتكلم معه، وقال له: مرحباً بك وأهلاً!! لقد كنا في شوق إليك، ونحن في انتظارك يا ولي الله! جميع المخلوقات تسعد بالمؤمن في الحياة وبعد الممات.

وإذا دخل القبر وجد في استقباله في القبر رجلاً، هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام وهذا نص الحديث: (وجد في استقباله في القبر رجلاً شديد بياض الوجه، طيب الرائحة، فيقول له: مرحباً بك، فيقول: من أنت، فوجهك وجه لا يأتي إلا بخير؟) يقول له الميت: من أنت يا صاحب الوجه الأنور! لا يأتي وجهك هذا إلا بخير؟! من أنت؟! فيقول له: (أبشر واسعد بأسعد يوم مر عليك منذ أن ولدتك أمك، ألا تعلم من أنا؟! أنا عملك الصالح، وهذا يومك الذي كنت توعد به) أنا صلاتك، أنا قيامك بالليل، أنا قرآنك، أنا ذكرك، أنا استغفارك، أنا حجك، أنا زكاتك، أنا صدقتك، أنا بر الوالدين، أنا الإحسان لليتامى، أنا الإحسان للفقراء، أنا الإحسان للجيران، أنا عملك الصالح، وهذا يومك الذي كنت توعد به.

ثم يقول له: سيأتيك الآن ملكان من عند ربك وسيسألانك من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فقل لهما: ربي الله حقاً، ومحمد نبيي صدقاً، وديني الإسلام.

فيأتي منكر ونكير ويقولان له: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله حقاً، ومحمد نبيي صدقاً، وديني الإسلام، فينادي منادٍ من قبل الواحد الديان، ويقول: إن صدق عبدي، فافتحوا له باباً إلى الجنة، وافرشوه فراشاً من الجنة، ووسعوا له في قبره، فيفسح له في قبره مد البصر، (القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النيران).

وعندما يرى العبد هذا النعيم، ينادي على الله وهو في القبر، ويقول: يا رب! فيقول له: لبيك يا عبدي.

فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة، فيقال له: ولم؟ فيقول: حتى أري أهلي منزلتي عندك في الجنة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.