[عقيدة الشيعة والروافض في البداء]
خامساً: البداء، وهذا معتقد خبيث من معتقد الروافض، والبداء -كما ورد في قواميس اللغة-: بدا بَدْواً وبُدُوّاً وبَدَاءة يعني: ظهر، يقال: بدا لي، أي: ظهر لي، وبدا له في الأمر بدواً وبداءً وبداة: نشأ له فيه رأي، وأقول: بدا لي القمر، أي: ظهر لي القمر، أو أقول: بدا لي أن أغير فكرتي في قضية كذا وكذا.
إذاً: بدا بمعنى: ظهر، وبمعنى: نشأ له فيه رأي جديد.
فالبداء في اللغة -كما جاء في القاموس- له معنيان: المعنى الأول: الظهور والانكشاف، والمعنى الثاني: نشأة رأي جديد، فإذا قلت: بدا لي أن أغير موعد درس الأربعاء، أي: نشأت لي فكرة جديدة في أن أغير درس الأربعاء.
وهذان المعنيان للبداء وردا في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٤]، فقوله: (وإن تبدوا) البداء هنا بمعنى: الإظهار، وفي قول الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف:٣٥]،والبداء هنا بمعنى: نشأ لهم رأي جديد، فالمعنيان واردان في كتاب الله جل وعلا.
والبداء بهذين المعنيين لا يجوز ألبتة أن ينسب إلى الله، يعني: لا ينبغي أبداً أن تقول بأن الله عز وجل قد بدا له أمر، بمعنى: ظهر بعد ما كان غائباً عنه سبحانه، أو بدا لله أمر في أن يغير أمراً أو أن يبدله سبحانه وتعالى.
فالبداء بهذين المعنيين -الثابتين في اللغة وفي كتاب الله- لا يجوز ألبتة أن ينسب إلى رب العزة تبارك وتعالى، ومع ذلك أقول لكم: البداء في الأصل عقيدة اليهود، وانتقلت عقيدة البداء من اليهود إلى الروافض والشيعة، بدليل هذا النص من نصوص التوراة المحرفة المزورة المبدلة، يقول هذا النص: (ورأى الرب أن شر الناس قد كثر على الأرض، وأن كل تصور أفكار قلوبهم إنما هو شر في جميع الأيام، فندم الرب -تعالى الله عما يقول اليهود والروافض علواً كبيراً- أنه عمل الإنسان على الأرض- يعني: أنه خلق الإنسان على الأرض -وتأسف في قلبه- تعالى الله عن ذلك- فقال الرب: أمحو الإنسان الذي خلقته عن وجه الأرض، مع البهائم، والدبابات -وهذه لفظة عجيبة- وطير السماء؛ لأني ندمت على خلقي لهم!) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
فهذا فقرة من الكتاب المقدس الفصل السادس، صفحة رقم (١٢) من تكوين التوراة، تبين عقيدة اليهود في البداء.
فالبداء في الأصل عقيدة يهودية، ثم انتقلت هذه العقيدة إلى الروافض والشيعة، ويقولون: إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين، لا يظهر معهما على كذب أبداً من أئمتهم، وهما: القول بالبداء، وإجازة التقية، يعني: هذان الأصلان من معتقد الروافض والشيعة، ألا وهما: البداء، والتقية، ووضعا حتى لا يظهر لإمام من أئمتهم كذب أبداً في فترة من فترات الزمن! فالإمام من الأئمة معصوم عندهم، وقد يتكلم الإمام بكلمة ثم لا تقع -مع علمه بما كان وما سيكون- فيتبين حينئذٍ كذبه، فكيف يخرج من هذا المأزق؟ يخرج بعقيدة البداء، فيقال: بدا للإمام أن يغير ما كان قاله! وقد تقف على بعض النصوص المنسوبة لـ علي رضوان الله عليه، في ثنائه على أبي بكر، كما هو موجود في كتاب (نهج البلاغة) الذي يعتبرونه من الكتب المقدسة؛ فإذا واجهتهم بهذا، تجدهم يقولون: قال علي ذلك من باب التقية!! ألم يدع هؤلاء أن قرآناً نزل على علي أو على فاطمة وهو ما يعرف عندهم بمصحف فاطمة! وإذا قيل لهم: لم يظهره علي؟ يقولون: تقية؛ لأنه لو أظهر علي هذا القرآن لأحرج من سبقه، ولبين كذبهم، فهو جاملهم من باب التقية؛ وأخفى هذا القرآن الذي أنزله الله على فاطمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم!! وهذا ضلال مبين، اللهم ثبتنا على الحق يا رب العالمين! ويشرح سليمان بن جرير -وهو من علمائهم- عقيدة البداء في أنها الستار على ادعاءاتهم الكاذبة في الغيب، فيقول: فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم في ما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غدٍ، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غدٍ -أي: كذا وكذا- فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون؟ فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمه الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي قالوا: إنه يكون على ما قالوه، قالوا لشيعتهم: بدا لله في ذلك ألا يكونه!! وهذا موجود في كتاب (الكافي).
والعجيب! أن فصل البداء أورده صاحب (الكافي) في كتاب التوحيد، مما يدل على أنه أصل معتقد عندهم، أورده صاحب كتاب الكافي في كتاب التوحيد في باب اسمه باب: البداء، المجلد الأول صفحة (١٤٦)، فالبداء عندهم عقيدة يضعونها في كتاب التوحيد، فصاحب الكافي ذكر هذا ضمن كتاب التوحيد، وفي هذا الباب ذكر ستة عشر حديثاً في البداء، المجلد الأول صفحة (١٤٦ - ١٤٩).
والله! والله! ما وقفت -وأنا أطلع على مصادرهم وكتبهم- على كلمة تنافي ما أقول إلا وأذكرها لكم، وقد ذكرت قبل ذلك أمثلة في المحاضرات الماضية، فما وقفت على كلمة لعالمهم تكذب أو تنكر ما ينسب إليهم إلا وأنقلها من باب الإنصاف، وأسأل الله أن يرزقنا العدل، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨]، أسأل الله أن يجعلنا من المتقين.
قال كثير من علماء الشيعة: إنهم لم يريدوا بالبداء ما لا يجوز نسبته إلى الله سبحانه، يقول محمد حسين الكاشف الغطاء: البداء وإن كان في جوهر معناه هو ظهور الشيء بعد خفائه، ولكن ليس المراد به هنا ظهور الشيء لله جل شأنه، وأي ذي عقل يقول بهذه المضلة، بل المراد ظهور الشيء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم، وقولنا: بدا لله، أي: حكم الله أو شأن الله.
هذا في كتاب اسمه: (الدين والإسلام) صفحة (١٧٣) وهو منسوب إلى عالم من علمائهم ألا وهو محمد حسين الكاشف الغطاء، وهذا التفسير مقبول جداً؛ أن يقول بأن البداء ليس معناه أنه قد ظهر شيء لله عز وجل كان خافياً عليه، وإنما البداء معناه: أن الله عز وجل يظهر شيء كان خفياً عن بعض خلقه، وهذا تفسير لا حرج فيه.
ولكن من حقنا أن نسأل أيضاً: لماذا صار البداء -إن كان كذلك- من أصول معتقد الشيعة؟ وهذا سؤال له وجاهته، فإذا كان البداء بهذه الصورة العادية، وهو أن الله قد أظهر شيئاً لخلقه كان خافياً عنهم، فلمَ جعلوه أصلاً من أصول معتقد الشيعة؟ ولمَ جعلوه في كتاب التوحيد؟ ولعل هذا التفسير للبداء الذي قاله كاشف الغطاء يندرج تحت معتقد آخر من معتقداتهم الرئيسية ألا وهو معتقد التقية، وقد نقلت قبل نصاً من نصوص عالم من علمائهم يبين أن مثل هذا الكلام إنما يقال من باب التقية.