[الإحسان إلى الناس]
رابعاً: من أسباب السعادة في الدنيا: الإحسان إلى الناس: (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) فإن أحسنت إلى الناس شعرت بلذة في قلبك، وسعادة في صدرك.
ومن أروع ما سمعت أني ألقيت هذه الخطبة تماماً في مصر في مدينة المنصورة، وبعد الانتهاء من الخطبة اقترب مني أستاذ جامعي عندنا، وقال لي: والله إني منذ سنتين وأنا أسافر إلى لندن لأتعالج أو لأبذل لنفسي العلاج؛ لأني أعاني من مرض في القلب، أسأل الله أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين.
يقول: جلست في يوم من الأيام مع صاحبٍ لي إلى جوار رجل يعمل جزاراً، ونظرت فرأيت امرأة كبيرة فقيرة إلى جوار هذا الجزار الذي يبيع اللحم، تنقب عن قطعة لحم على الأرض أو على عظمة صغيرة، فشد انتباهي هذا المشهد، وناديت على المرأة وقلت لها: سبحان الله! ماذا تصنعين تبحثين عن قطع اللحم النيئ المرمي على الأرض؟ فقالت: والله إن أبنائي في شوق لقطعةٍ من اللحم، وما ذاقوا اللحم منذ ستة أشهر -تدبروا في هذه الكلمات أيها المسلمون- يقول: فبكيت، وقمت على الفور، وقلت لهذا الجزار: يا أخي! هذه المرأة ستأتيك في كل أسبوع فأعطها من اللحم ما تريد، وأنا أحاسبك على كل ما تأخذه عاماً بعام، فقالت المرأة: أحتاج إلى كيلو واحد فقط، فقال هذا الرجل: كلا.
بل أعطها اثنين، فسعدت المرأة وبكت، ورفعت رأسها إلى السماء، وتضرعت بالدعاء لهذا الثري الكريم الشهم، وأخرج الرجل من حافظة نقوده مبلغاً من المال ليكفي هذه المرأة عاماً بكامله، وعادت المرأة إلى بيتها سعيدة، وسعد الأبناء بهذا اللحم الوفير.
وعاد الرجل إلى بيته، دخل ووجهه يتلألأ، يشعر بشيء غريب في جسده كله، فقالت له زوجته: ما شاء الله! أراك نشيطاً، وقالت له ابنته الملتزمة: ما الذي غير وجهك يا أبي؟! فقص عليها القصة فبكت الأم وبكت البنت، وقالت البنت: أسأل الله -يا أبي! - أن يسعدك بشفاء مرضك كما أسعدت هذه المرأة الفقيرة وأولادها، يقول: بعد أيام قليلة أشعر بتحول كامل في بدني كله.
يقول: وبالرغم من ذلك أصر الأحبة أن أسافر إلى لندن لأجري الجراحة.
فلما ذهب إلى هنالك، ونام بين يدي طبيبه الخاص، صرخ طبيبه وقال: عند أي الأطباء في مصر قد أجريت جراحتك؟ قال: لقد تاجرت مع الله فأغناني الله وشفاني.
أيها الأحبة: إن التجارة مع الله تجارة رابحة، أحسن إلى الناس لتشعر بالسعادة في قلبك وفي بيتك وبين أولادك، فمن فرج عن مؤمن من المؤمنين -وما أكثر الكرب-: (من فرج عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
هذه أسباب السعادة في الدنيا التي ستوصلك إلى السعادة الحقيقية في الآخرة، ألا وهي في التمتع بجنة الله، والنظر إلى وجه الله جل وعلا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله: يا أهل الجنة! هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك، فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) وفي صحيح مسلم من حديث صهيب: (فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل وعلا).
{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٥ - ١٠٨].
اللهم أسعدنا بطاعتك في الدنيا والآخرة، اللهم لا تجعل لأحدٍ ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً بيننا إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، واشف اللهم صدور قومٍ مؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد المبارك سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم لا تحرم هذا البلد من الأمن والأمان وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ هذا البلد بالتوحيد للموحدين وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها الأحبة الكرام: هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهوٍ أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وأقم الصلاة.