[أهمية الدعاء وصدق اللجأ إلى الله]
أتحتقرون الدعاء؟ أتستهينون بالدعاء؟ أتستهينون بصدق اللجأ إلى رب الأرض والسماء؟ بين يدي الآن عشرات الآلاف من الشباب، وأنا أسألكم: من منكم يدعو الله في كل سجدة أن يحرر الله الأقصى، وأن يفرج الكرب عن الأمة؟ كل يصدق الله في جوابه، مَنْ منكم يدعو الله في جوف الليل أن يفرج الكرب عن الأمة، وأن يعيد الأمة إلى الدين؟ فالدعاء سهام الليل، وهو أعظم سلاح نحارب به أعداء الله مع الأخذ بالأسباب التي ذكرت، فلست درويشاً أجهل الأسباب والواقع الذي أحياه، وإنما أعتقد اعتقاداً جازماً أن الأمة لو صدقت في اللجأ إلى الله، وقامت في جوف الليل، ولجأت إلى من بيده الأمر كله، وإلى من بيده الكون كله؛ لرأينا والله! العجب العجاب.
فهل نسيتم احتراق الطائرتين ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان يوم أن ضجت القلوب وارتفعت الحناجر بالدعاء إلى علام الغيوب؟ إن الله يعلم ضعفنا، ويعلم أنه ما حبسنا إلا العذر، فقد قال المصطفى لأصحابه وهم في عودتهم من الغزو: (إن لكم إخواناً في المدينة، ما سلكتم شعباً ولا نزلتم وادياً إلا وهم معكم يشاركونكم الأجر، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟! قال: حبسهم العذر).
فالله يعلم الصادقين الذين حبسهم العذر فقاموا يتضرعون ويتذللون في جوف الليل بين يدي الله سبحانه، فاستجاب الله، واصطدمت الطائرتان اليهوديتان، وقتل ما يزيد عن أربعين جندياً وضابطاً من كبار ضباط الجيش اليهودي.
فمن الذي صنع ذلك؟ إنه الله.
وكذلك فيضان المسيسبي الذي دمر ولاية بكاملها في أمريكا، من الذي أمره؟ وإياكم وأن تسمعوا كلام عباد الطبيعة الذين يقولون بأن هذا من فعل الطبيعة!! إننا نعتقد أن الفيضانات والزلازل وكل هذه الأمور من جند الله العزيز الغفور، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١]، فاصدقوا الله في الدعاء، وقوموا في جوف الليل، وتضرعوا إلى رب الأرض والسماء، وسيحول الله بالدعاء قلوباً، وسيغير الله بالدعاء أحوالاً، فالدعاء سهام الليل.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنكم لا تنصرون بعتاد وعدد، وإنما تنصرون من السماء، فأنا لا أحمل همّ الإجابة، وإنما أحمل همّ الدعاء.
فمن أُلهِم الدعاء فإن الإجابة معه.
ونحن الآن لا نتضرع، ولا نتذلل، ولا نلجأ إلى الله سبحانه، بل عزفنا عن الدعاء، وتخلينا عن الدعاء، والتذلل لرب الأرض والسماء، ولم ندع الله أن يحول القلوب، وأن يغير الأحوال، وأن يبدل الأمور، وهو القادر وحده، فوالله! ليس لها إلا هو سبحانه.
فقوموا في جوف الليل، وتضرعوا إلى الله سبحانه، فإن الله عز وجل يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦]، ولكن قد يسألني سائل ويقول: منذ متى ونحن ندعو الله ولم يستجب الله دعاءنا؟!!
و
الجواب
في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر الرجل أَشْعَثَ أَغْبَرَ يطيل السفر، يَمُدُّ يديه إلى السماء يقول: يارب! يارب! ومَطْعَمُهُ حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بَالحرام، فَأَنَّى يُستْجَاَبُ لذلك؟!).
فعودة إلى المنهج الذي ذكرت، ورد في كتاب الزهد للإمام أحمد: أن بني إسرائيل خرجوا يجأرون إلى الله بالدعاء، فأوحى الله إلى نبيهم وقال: خرجتم تجأرون إليّ بالدعاء حين اشتد عليكم غضبي، ورفعتم إلي أكفاً سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، لن تزدادوا مني إلا بعداً.
إن الدعاء له شروط لكي يُقبل ولكي يُستجاب، وشروطه أن نعود للمنهج الذي ذكرت.
قالوا لـ إبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق! مالنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟! قال: لأن قلوبكم قد ماتت بعدة أشياء.
قالوا: ما هي؟ قال: عرفتم الله فلم تؤدوا حقوقه!! وزعمتم حب نبيه وتركتم سنته!! وقرأتم القرآن ولم تعملوا به!! وزعمتم أن الشيطان لكم عدو ولم تخالفوه!! وأكلتم نِعَمَ الله ولم تؤدوا شكرها!! وقلتم: إنَ الجنة حق ولم تعملوا لها!! وقلتم: إن النار حق ولم تهربوا منها!! وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له!! وانشغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم!! ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم!! لقد ماتت القلوب! فكيف يستجيب علام الغيوب الدعاء من قلوب قد ماتت؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تعالى لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ غافل)، فالأصل أن تحيا القلوب، وأن تعود من جديد إلى علام الغيوب.
يا إخوة! أدين الله جل وعلا بين أيديكم أن الأقصى لن يحرر إلا بهذا المنهج ولو عاشت الأمة آلاف السنين، فلابد من تصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتحكيم الشريعة، والعودة الجادة إلى أخلاق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ونبذ الفرقة وتوحيد الصف، وتحقيق معنى الأخوة في الله جل وعلا، والتخلص من الوهن، وبعد ذلك يجب على الأمة أن ترفع راية الجهاد في سبيل الله، وأن تتضرع إلى الله جل وعلا بأن ينصرها، وأن يقذف الرعب في قلوب أعدائها، إن هذا هو الطريق، فلو عاشت الأمة ألف سنة فلن تصل إلى الأقصى ما دامت الأمة بعيدة عن الله، وما دامت الأمة تتحدى شريعة الله، وما دامت الأمة قد انحرفت عن أخلاق رسول الله! وما دامت الأمة تحارب الأطهار من رجالها ونسائها وشبابها، وما دامت الأمة تتحدى شرع العزيز الغفار.
فوالله الذي لا إله غيره! لا كرامة للأمة ولا عزة ولا سيادة ولا بقاء؛ وستظل الأمة تُضرب بالنعال على رأسها؛ ما لم تتب إلى الله، وما لم ترجع إلى الله.
فهيا أيها المسلمون الأخيار! ليكن كل منا على ثغر، فابدأ بنفسك، واعذر نفسك بين يدي الله جل وعلا، واعلم بأنك مسئول عن هذا الدين، فلا ينبغي أن تشهد لهم بلسانك فقط، وإنما بقلبك وأعمالك ودعوتك؛ ليرى الله أن قلبك يحترق لهذا الدين، ولهذه الأمة المسكينة التي ضاعت، قال عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥].
أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.