أبو بكر ذلكم الرجل الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له الصديق حبَ الحُبَ على روض الرضا، واستلقى الصديق على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة وتركه هنالك، ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد للصديق بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حقه قول ربه {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}[الليل:١٧].
إنه الرجل الذي استحق أن يكون أقرب الخلق إلى قلب رسول الله كما في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أنه قال:(يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة قال: من الرجال؟ قال: أبوها، قال عمرو: ثم من؟ قال المصطفى: ثم عمر).
أبو بكر العملاق الذي قال في حقه المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة:(من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، فقال الصديق صاحب أعلى همة في الأمة بعد نبيها: يا رسول الله! فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال المصطفى: نعم، وأنت هو يا أبا بكر).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن المصطفى سأل أصحابه يوماً فقال:(من أصبح اليوم منكم صائماً؟ قال: أبو بكر: أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من تبع اليوم منكم جنازة؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: من أطعم اليوم منكم مسكينا؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).