[الركن الأول: أن يطاع الله فلا يعصى]
أول أركانها: أن يُطاع فلا يُعصَى: قد تقول لي: يا أخي، لستُ ملَكاً مقرَّباً، ولستُ نبياً مرسلاً معصوماً من الخطأ، فقد انتهى زمن العصمة بموت المعصوم صلى الله عليه وسلم، وإنما أنا بشر أخطئ وأصيب وأزل، وتنتابني حالات كثيرة من الفتور، وربما من المعاصي، بل وربما أقع في كبيرة من كبائر الذنوب، وأنت تقول الآن بأن أول أركان التقوى هو: أن أطيع الله جل وعلا، وألا أقع في معصيته! فأقول لك: أبشر! فلقد ذكر الله المتقين في القرآن، وذكر من صفاتهم أنهم ربما يقعون في الفاحشة! فإذا قلت: ما دليلك؟ فأقول: تدبر معي قول الله سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] مَن هم يا رب؟ وما صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٤ - ١٣٥].
إذاً: التقي قد يزل؛ ولكن الفارق بينه وبين الشقي: أن الشقي إن زلَّ فذُكِّر بالله لا يتذكر، وإن زلَّ فوُعِظ لا يتعظ، وإن زلَّ فذُكِّر بالآخرة استعلى واستكبر واستأنف وكان في غفلة قاتلة، بل وربما استهزأ بالذي يذكره بالله جل وعلا.
أما التقي النقي فهو الذي إن زلت قدمه في بئر معصية أو في حفرة ذنب من الذنوب، ولطخت المعاصي ثيابه التقية النقية البيضاء سرعان ما يجذب ثيابه من أشواك المعاصي، ويطهرها بدموع التوبة والندم، ويتذكر عظمة الله وهيبة الله وجلال الله، ويمتلئ قلبه بالحب لله، والخوف من الله، فسرعان ما يتوب إلى الله ويعود إلى الله جل وعلا، والله يريد منك الذل والعبودبة والانكسار له، والله غني عنك، إذ لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، قال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر عن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: أنه جل وعلا قال: (يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
فالتقي هو الذي إن ظلم نفسه تذكر الله جل وعلا، فأناب وتاب وثاب وعاد، وهو يعلم يقيناً أن الله جل وعلا سيفرح بتوبته وهو الغني عن العالمين، الذي لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية.
فإن زلت قدمك أيها الحبيب! وأردت أن تحقق التقوى فجدد بعد المعصية توبة، وأحدث بعد المعصية حسنة، وتذكر دوماً وصية الحبيب النبي لـ معاذ بن جبل رضي الله عنه، والوصية رواها الترمذي بسند حسن، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) أي: أحدِث بعد السيئة حسنةً تمحُ الحسنةُ السيئةَ.
أوَلم تقرأ في كتاب الله في صفات عباد الرحمن: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٧٠]؟! فأول شروط التقوى: أن تتوب إن زلت قدمك، وربما يكون الشاب عزباً، ويتعرض لفتن قد تعصف بقلبه في فترة من الفترات، أو في وقت من الأوقات، فإن زلت قدمك أيها الشاب! فتُب، وإن زلت قدمك مرة ثانية فتُب، وإن زلت قدمك للمرة الألف فتُب، المهم أنك في كل مرة ترجع فيها إلى الله بصدق، والجأ إليه أن يحفظك من الوقوع في الذنب والزلة مرة أخرى، فإن زلت قدمك لضعفك ولبشريتك فما عليك إلا أن تتوب إلى الله، وكن على يقين بأن الله لا يمل حتى تملوا.