أنقل إليكم بعض النصوص باختصار بكل أمانة في هذا المبحث الخطير من مباحث الروافض، وتدبر معي هذه الأسطورة الخطيرة: يروي الكليني بسنده عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله -يعني: جعفر الصادق برأه الله مما قالوا- يقول: يظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أني نظرت في مصحف فاطمة عليها السلام، قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: إن الله تعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل الله إليها ملكاً يسلي غمها ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال لها علي: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت -أي: صوت الملك- فقولي لي، فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين يكتب كلما سمع من الملك، حتى أثبت من ذلك مصحفه، ثم قال: أما إنه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما سيكون.
أصول الكافي، كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة (ص:٢٤٠) المجلد الأول.
وفي كتاب (دلائل الإمامة) -وهو من كتبهم المعتمدة عندهم- ترد رواية تصف مصحف فاطمة المزعوم، بأن فيه خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر كل سماء، وفيه خبر عدد ما في السماوات من الملائكة، وفيه عدد كل من خلق الله من المرسلين بأسمائهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب، وأسماء من أجاب، وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين، وفيه أيضاً صفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى، وفيه صفة كل من ولي من الطواغيت بمدة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك كل واحد، وفي هذا المصحف جميع ما خلق الله، وفيه صفة أهل الجنة بأعدادهم ومن يدخلها، وبعدد من يدخل النار وبأسمائهم، وفيه علم القرآن كما أنزل، وفيه علم التوراة كما أنزلت، وفيه علم الإنجيل كما أنزل، وفيه علم الزبور، وفيه عدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد.
وهذا نقله محمد بن جرير بن رستم الطبري -وهذا غير ابن جرير الطبري إمام من أئمة أهل السنة- في كتابه (دلائل الإمامة)(ص:٢٧، ٢٨).
والله أمور تمرض القلب، وأنا أصبت بالغم أكثر من مرة هذا الأسبوع، والحقيقة أن الواحد لا يعرف كيف يكون حجم هذا المصحف الذي فيه هذه العلوم؟! وكيف يقرأ؟! وإذا كان العلم هذا كله عند الأئمة -والولاية مفقودة منهم من مئات السنين- فلماذا لا يقدرون أن يستردوا الولاية بهذا العلم؟ هذا كلام لا يمت إلى العقل، ولا إلى الفهم الصحيح بأدنى صلة، بل ولا إلى الفهم السقيم بأدنى صلة، وتذكر رواية دلائل الإمامة صفة نزول هذا المصحف على خلاف ما جاء في الرواية السابقة التي في الكافي، ففي الرواية السابقة أن الملك كان يأتي وسيدنا علي قال للسيدة فاطمة: لما يأتي الملك أعلميني به، وبدأ هو يكتب، لكن الرواية الأخرى تصف نزول هذا المصحف على خلاف ما جاء في الرواية التي في الكافي، فتذكر رواية دلائل الإمامة أنه نزل -أي: مصحف فاطمة- جملة واحدة من السماء، بواسطة ثلاثة من الملائكة هم: جبريل وإسرافيل وميكائيل، فهبطوا به وفاطمة رضوان الله عليها وبرأها الله مما قالوا قائمة تصلي، فما زالوا قياماً حتى قعدت، ثم فرغت من صلاتها، وسلموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت فاطمة: لله السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، وعليكم -يا رسل الله- السلام، ثم عرجوا إلى السماء، فما زالت من بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره، قالوا: ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة! وفي الراوية: قلت: جعلت فداك! فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيها -أي: بعد موتها-؟ فقال: دفعته إلى أمير المؤمنين علي، فلما مضى علي -أي: قتل- صار إلى الحسن، ثم إلى الحسين، ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر يعني: مهديهم المنتظر.
وأيضاً هم يدّعون غير مصحف فاطمة، فيؤمنون بنزول اثني عشر صحيفة من السماء تتضمن صفات الأئمة كما في حديث طويل من أحاديثهم يرويه صدوقهم ابن بابويه القمي، وهم يلقبونه بـ الصدوق، يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله تبارك وتعالى أنزل علي اثني عشر خاتماً، واثني عشر صحيفة، اسم كل إمام على خاتمة، وصفته في صحيفته)، وهذا الكلام موجود في كتاب (إكمال الدين) لـ ابن بابويه القمي (ص:٢٦٣).
أكتفي بهذا القدر من هذا الغثاء، ومن هذا التأويل الباطل والمتعسف في كتاب الله عز وجل؛ ليقف كل مسلم على حقيقة معتقد القوم، فإن القول بأن الخلاف بين أهل السنة وبين الشيعة خلاف في فروع المسائل الفقهية فهو كلام ضال يحتاج صاحبه إلى توبة إلى الله جل وعلا إن كان يفهم ما يقول، ويحتاج إلى أن يتعلم إن كان يجهل ما يقول، فالأمر جد خطير، إنه أمر اعتقاد.
وأواصل إن شاء الله تعالى في الأسبوع المقبل -إن قدر الله لنا البقاء واللقاء- الكلام عن معتقد القوم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ما أجملت في محاضرتين مجمل معتقد القوم في تحريف القرآن الكريم وتزويره وتأويله، فأبين معتقدهم في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أبين كذلك معتقدهم في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.