للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من مداخل الشيطان: الشرك بالله]

اعلموا أن للشيطان مداخل خطيرة، وأول مدخل منها: هو مدخل الشرك بالله -والعياذ بالله- أول باب، بل إن غاية أماني الشيطان أن يجعل العبد يشرك بالرحيم الرحمن تبارك وتعالى، وإذا ما أشرك العبد بالله تبرأ الشيطان منه كما أخبر بذلك ربنا جل وعلا فقال: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:١٦].

وانتبهوا معي جيداً أيها الموحدون، لقد ذكر الإمام ابن جرير وابن كثير والبغوي وابن الجوزي وابن القيم في تفسير هذه الآية من سورة الحشر قصةً رهيبة، إنها قصة عابد من عباد بني إسرائيل يقال له: برصيصا، هذا العابد كان من أعبد عباد زمانه، وكان هناك في بلدته ثلاثة من الإخوة، وكانت لهم أخت وكانت بكراً، فلما خرج عليهم الغزو وخرجوا للقتال، قالوا: لا نأمن أن نضع أو نترك أختنا إلا عند عابد بني إسرائيل، وذهبوا بأختهم إلى هذا العابد الذي يسمى برصيصا، وألحوا عليه أنه تظل أختهم معه فرفض وأبى في بادئ الأمر -هكذا إنها مداخل الشيطان- فظلوا عليه بإلحاحهم حتى قبل هذا العابد ذلك، وقال: ولكن لا تجعلوها معي، اجعلوا لها خلوةً إلى جوار خلوتي وصومعةً إلى جوار صومعتي، فصنعوا لها ما أراد العابد، وانصرفوا إلى حال سبيلهم، وجاء الشيطان إلى هذا العابد ليلعب معه لعبته القذرة.

انتبهوا جيداً يا شباب الإسلام! انتبهوا إلى مداخل الشيطان يقول لك: حفاظاً على الدعوة وحفاظاً على الإسلام احلق لحيتك، فإنك لو حلقتها استطعت أن تتحرك بين الناس بدعوتك وما وقف أمامك أحد وما عارضك أحد، يذهب إلى المرأة ويقول لها: لا تلبسي الحجاب حتى تتزوجين، وتساعدها الأم على ذلك، وهكذا يذهب إلى صاحب الكرسي والمنصب ويقول له: اعلم أنك بعد قليل راحل سوف تترك هذا الكرسي، وسوف تترك هذا المنصب فهيا اسرق سرقةً وانهب نهباً وانهش نهشاً حتى تستطيع أن تعيش بعد ذلك وهكذا، انتبهوا إلى مداخل إبليس.

ذهب إليه الشيطان يمنيه في الأجر ويعظم له الثواب ويقول له: ما ضرك لو أنك قدمت إليها الطعام إلى باب صومعتها وانتظرها حتى تخرج؛ لأنه ربما مر سبع أو غير ذلك فأكل الطعام.

فقال: لا شيء في ذلك، فأخذ الطعام هذا العابد ووقف على باب صومعتها مرةً لم ينظر وأخرى كذلك وثالثة أيضاً ورابعة نظر إليها.

فذهب إليه الشيطان بعد ذلك وقال: ما ضرك لو أنك قدمت الطعام إلى داخل صومعتها أتخشى على نفسك وأنت التقي العابد الورع؟! فأخذ العابد الطعام وذهب إليها في صومعتها.

وذلك يستمر فترات طويلة جداً لا أقول: إنه يحتاج معه أو يتطلب ذلك من الشيطان وقت قصير، إن الشيطان يصبر على فريسته خاصة وإن كانت قوية الإيمان، فدخل العابد معها إلى صومعتها وخرج.

فقال له بعد ذلك: ما ضرك لو أنك جلست معها فإنها مكثت فترة طويلة لا تسمع ولا تكلم أحداً، فهيا اجلس معها كلمها في الدين والقرآن والحديث لا تكلمها في أمر من أمور الدنيا، ما ضرك في ذلك؟! فجلس معها وكلمها، وبعد ذلك ذهب إليه الشيطان وقال: ما ضرك لو أكلتما معاً، فأكل معها فمست يده يدها، بعد ذلك جاءه الشيطان فأوقعها في قلبه وزينها له، فقبلها -إنها المداخل والسبل والطرق زينها له فقبلها- ثم بعد ذلك والكل يعلم ما بعد ذلك، زنا بها -والعياذ بالله- فظهر الحمل ووضعت ولدها من الزنا، فجاءه الشيطان بعد ذلك وقال: لقد افتضح أمرك، أتترك ولدك من الزنا، فما الذي ستقوله لإخوتها حينما يحضرون، فقال: ماذا أصنع؟ قال: اقتل ولدها حالاً، فقتل ولدها، وبعد فترةٍ ذهب إليه وقال: أتظن أنها لن تخبر عنك ولن تحدث بما صنعت بها وبولدها، قال: إذاً ماذا أصنع؟ قال: اقتلها، فقتلها -زنا بها وقتل ولدها وقتلها- وعاد إخوتها، فترك الشيطان العابد وذهب إلى إخوتها وقال لهم: اعلموا أن العابد زنا بأختكم وقتل ولدها وقتلها، فذهب الثلاثة إلى هذا العابد وقالوا: افتح لنا قبرها فوجدوا أختهم قد قتلت وقد زني بها وذبحت، وهذا ولدها إلى جوارها، فجروه على وجهه وصلبوه على خشبة، وترك الشيطان الإخوة وذهب إلى برصيصا مرةً أخرى قال له: يا هذا ألا تعلم من أنا؟ أنا الشيطان، أنا الذي أوقعت الفتنة في قلبك، وجعلتك تزني بها، ثم جعلتك تقتل ولدها، ثم تقتلها، وأنا الذي أستطيع أن أخلصك مما أنت فيه، قال: خلصني، قال: لا.

إلا بشروط، قال: ما هي شروطك؟ أن تكفر بربك وتسجد لي من دون الله، فقال له العابد الغبي: لو سجدت لك وكفرت بربي -جل وعلا- تخلصني مما أنا فيه؟ قال: نعم أخلصك -يمنيه ويوعده- فكفر العابد بربه وسجد للشيطان، فنظر إليه الشيطان وهو يولي هارباً وينادي ويقول: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:١٦].

هكذا أيها الأحباب! إنها مداخل الشيطان ومصائبه يزين إليك المعصية على أنها طاعة، يزين إليك الشبهات والشهوات فيجعلك تقول في الدين بالهوى كما سنرى بعد ذلك، يزين إليك الشبهة على أنها حق واضح وضوح الشمس في ضحاها، إن أول باب يدخل الشيطان إلى العبد منه باب الشرك بالله -والعياذ بالله- فإذا عجز الشيطان عن أن يغوي العبد ويضله عن الطريق، دخل إليه من المدخل الثاني وهو مدخل البدعة.