{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[مريم:٣٨] لكن الظالمون في حياتهم الدنيا في ضلال، لا يسمعون ولا يبصرون، ولا يعقلون، ولا يعرفون حقاً، ولا يعرفون طريقاً مستقيماً، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[مريم:٣٨].
ثم بعد ذلك -انتبهوا معي جيداً- يأتي الإنذار العام، فيقول الله جل وعلا:((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)) [مريم:٣٩] أنذر الناس جميعاً يا محمد، أنذر الخلائق جميعاً يا رسول الله؛ ((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)) [مريم:٣٩] يوم القيامة {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[مريم:٣٩].
ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والإمام أحمد في مسنده، وابن ماجة في سننه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت على صورة كبشٍ أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادى: يا أهل الجنة! فيشرئبون وينظرون، ثم يُقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقول أهل الجنة: نعم.
إنه الموت، ثم ينادى على أهل النار: يا أهل النار! هل تعرفون هذا؟ فيقول أهل النار: نعم.
إنه الموت، فيأمر الله جل وعلا أن يُذبح الموت في صورة هذا الكبش، ثم ينادى ويقال: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[مريم:٣٩] ثم أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده وقال: إن أهل الدنيا في غفلة) نعم والله يا رسول الله إن أهل الدنيا في غفلة.
{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[مريم:٣٩] يوم الحسرة يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الصيحة، يوم الحاقة، يوم القارعة، يوم الزلزلة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم ترجف الأرض والجبال، يوم تسير الجبال، يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:٦]{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩] يوم الطامة، يوم الصاخة.
((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)) [مريم:٣٩]{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨]{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٤] وأنذرهم يا محمد يوم الحسرة، يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، هذا اليوم الذي تنقلب فيه كل الموازين، وتتغير وتتبدل فيه كل القوانين {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨] تُغير هذه الأرض، وتُبدل هذه الأرض، الجبال ينسفها ربي نسفاً.