إن الأمر جد خطير، ستقف بين يدي الله جل وعلا ليكلمك وتكلمه، إن كنت من أهل التوحيد ومن أهل الإيمان ومن أهل الاستقامة قربك الله جل وعلا منه سبحانه، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال صلى الله عليه وآله وسلم:(يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة) أي: أن ربنا يقرب المؤمن (حتى يضع رب العزة عليه كنفه) والكنف لغة: الستر والرحمة، لا تأويلاً للصفة (ثم يقرره الله بذنوبه) يعني: أن ربنا يقرر العبد ويقول له: أنت عملت كذا يوم كذا.
وعملت كذا يوم كذا، في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى، ويقول له: أنت عملت الذنب الفلاني في اليوم الفلاني في المكان الفلاني، قال:(فيقول المؤمن: ربي أعرف.
فيقول الله جل وعلا: ولكني سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم ويعطى كتابه بيمينه)، فيشرق وجهه، وينبسط النور من وجهه وعلى يمينه ومن بين يديه، كما قال تعالى:{يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم:٨]، فهؤلاء هم أهل الأنوار، اللهم اجعلنا منهم! يأخذ كتابه بيمينه فيستثير وجهه، وتشرق أعضاؤه، والله جل وعلا يقول له: انطلق وأخبر أحبابك الذين هم على شاكلتك بما رأيت من الجنان والنعيم، وبشر أحبابك وأصحابك فينطلق إلى أرض المحشر ووجهه منير، النور من وجهه وعن يمينه ومن أعضائه، ينطلق إلى أحبابه وإخوانه، إلى أهل التوحيد، إلى أهل الإيمان، إلى أهل الأنوار، وهو يقول لهم: اقرءوا هذا الكتاب، هذا كتابي.
أعطانيه الله بيميني، فيا فرحتي ويا سعادتي.
سعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، وفاز فوزاً لن يخيب ولن يخسر بعده أبداً، يقول لهم: اقرءوا، فهذا توحيدي، وهذه صلاتي، وهذه زكاتي، وهذا حجي، وهذا بري، وهذه صدقتي، وهذه دعوتي، وهذا إخلاصي، وهذا إنفاقي، وهذا بذلي، وهذا عطائي، قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:١٩ - ٢٤].
أما إن كانت الأخرى -عياذاً بالله، وحفظنا الله وإياكم من ذلك، وختم لنا ولكم بخاتمة الموحدين- فيقف بين يدي الله بمنتهى الخزي والذل والعار، منكساً رأسه، كما قال تعالى:{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}[إبراهيم:٥٠]، يقف بمنتهى الخزي، أين رأسك الذي رفعته في عنان السماء على الموحدين؟ أين أنفك الذي شمخت به في عنان السماء على المحرومين؟ أين مكانتك؟ أين غرورك؟ أين كبرك؟ إنّه في موقف الخزي والذل والعار، قال تعالى:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[إبراهيم:١٦ - ١٧]، يعطيه الله كتابه بشماله أو من وراء ظهره، ويسود وجهه، ويكسى من سرابيل القطران، ويقال له: انطلق إلى أمك الهاوية، إلى جهنم -والعياذ بالله- وأخبر من هم على شاكلتك بهذا المصير.
فينطلق وقد اسود وجهه، وكسي من سرابيل القطران في أرض المحشر، وهو يبكي ويصرخ ويقول:{يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقة:٢٥ - ٣٧]، أسأل الله أن يختم لي ولكم بالتوحيد.