للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل شهر رمضان]

يا أبناء هذه الأمة الميمونة المباركة! إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه النعم هذا الضيف الكريم الذي حل بنا، من أعظم النعم التي امتن الله جل وعلا بها عليكم يا أمة الإسلام والتوحيد شهر رمضان، شهر القرآن والصيام والقيام والإحسان، قال ربنا جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥]، إنها نعمة عظيمة يا عباد الله! إنه فضل كبير عليكم، إنه فصل الخيرات والرحمات، إنه موسم البركات والنفحات، ألا فتعرضوا لرحمة الله جل وعلا، ألا فتعرضوا لنفحات الله جل وعلا في الطاعة: بالصيام والقيام وقراءة القرآن والإحسان.

إنه موسم الطاعات إنه موسم الرحمات إنه موسم البركات، أما سمعتم إلى كلام سيد البريات صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني ورواته ثقات من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل شهر رمضان يقول بأبي هو وأمي: (أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ويباهي بكم ملائكته، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل).

يباهي بكم ملائكته فيقول: انظروا إلى عبادي انظروا إلى الصائمين في النهار انظروا إلى من أقاموا الليل ركعاً سجداً بين يدي الله جل وعلا انظروا إلى من قضوا الليل مع قرآن الله وكتابه، وهذه علامات من علامات الحب لله تبارك وتعالى؛ لأن الليل كما قال أستاذنا ابن القيم: إن الليل أنس المحبين، وروضة المشتاقين، ومدرسة الصالحين، من هذه المدرسة تخرّج العارفون بالله جل وعلا، وتخرج الصادقون مع الله جل وعلا، إن عباد الله الصالحين ينتظرون هذا الليل يرعونه بالنهار كما يرعي الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، حتى إذا ما جنهم الليل، واختلط الظلام، وبسطت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه؛ قام عباد الله الصالحون فنصبوا إلى الله أقدامهم، وافترشوا جباههم، وناجوا ربهم جل وعلا طيلة الليل بقرآنه، وتضرعوا إليه تبارك وتعالى، وطلبوا منه تكرمه وإنعامه وإحسانه، هذه علامات عباد الله الصالحين، (ويباهي بكم ملائكته وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير)، هذا ذاكر لله، وهذا صائم لله ذاكر صابر، وهذا صائم لله ذاكر شاكر، وهذا متصدق محسن، وهذا قارئ للقرآن، وهذا مستغفر لله جل وعلا، وهذا متصدق على الفقراء والمساكين، وهذا يمر بين الجائعين من الفقراء ليحسن إليهم.

قال: (فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل)، ولهذا الحديث المبارك شاهد صحيح من حديث أبي هريرة رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام الترمذي والإمام النسائي، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع، وهو: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل رمضان يقول: أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر).

وروى ابن حبان والحاكم وابن ماجة والبيهقي وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث: (وينادي مناد كل ليلة -أي: من ليالي رمضان- يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر).

اسمع -أيها الحبيب- لتسجد لربك شكراً أنك من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا الشهر الكريم.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به.

والصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم.

والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه).

وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده بسند حسن والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة -اسمع أيها الحبيب! ماذا يقول الصيام وماذا يقول القرآن- يقول الصيام: أي ربي! منعته الطعام والشراب والشهوة -أي: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، الطعام بين يديه وامتنع عنه طاعة لله، زوجته بين يديه وامتنع عنها امتثالاً لأمر الله، والشراب بين يديه وهجره طمعاً في رحمة الله جل وعلا- فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي ربي! منعته النوم بالليل فشفعني فيه)، يا عبد الله! هل أنت من هؤلاء؟! أيها الحبيب الكريم! يا من هجرت النوم في الليل طاعة لله جل وعلا، وجلست مع كتاب الله تبارك وتعالى؛ هل أنت من هؤلاء أم أنت ممن سهر الليل مع المسلسلات الفاجرة، والأفلام الداعرة والعياذ بالله؟ أسأل الله أن يحفظني وإياكم من المعاصي، وأن يعزني وإياكم بطاعته، وأن يشرفني وإياكم بالعمل لدينه إنه ولي ذلك ومولاه.

أتدرون ماذا قال حبيبكم ورسولكم المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ قال عليه الصلاة والسلام: (فيشفعان)، أي: فيشفع الصيام فيك أيها الصائم، ويشفع القرآن فيك أيها القارئ، يا لها من كرامة، ويا له من فضل، ويا لها من عظمة، ويا لها من رحمات! هذه بعض الأحاديث الصحيحة أيها الأحباب التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصيام، والأحاديث كثيرة طويلة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].