الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم بارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: ففي الحقيقة أن دروس الدار الآخرة دروس هامة جداً، وقد يظن بعض إخواننا أنها دروس بعيدة عن الواقع، ولكننا ندين الله عز وجل بأن هذه الدروس هي من صلب هذا الواقع المرير؛ لأننا نعتقد أن الأمة لن تعود إلى كرامتها وإلى عزتها وإلى مجدها إلا إذا عادت ابتداءً إلى الله، ووالله! لو قعدت ألف سنة تشجب فغير ممكن أبداً أن تزول المستوطنات التي في القدس الشريف بالشجب، بل ستبنى رغماً عن أنف مليار مسلم؛ لأن الأمة كلها لا تجيد إلا أن تقول في (المانيتات): نشجب ونستنكر، وحتى إن منا من لا يشجب ولا يستنكر! فيا أخي! نحن أمة غابت عن الله أمة ابتعدت عن الله أمة انغمست في الشهوات والملذات أمة أصبحت تعبد الدنيا إلا من رحم ربك.
وأنا أقول لإخواننا دائماً: لو سألنا أنفسنا: من منا يا إخواننا! الذي يدعو في كل سجدة للأمة أن يردها الله إلى الدين، وأن يرد إليها الدين، وأن يرد إليها الأقصى الكريم؟! وفي الجواب أقول: هذه أمة بخلت بالدعاء، فهل تجود بالأموال والدماء؟!
الجواب
ممكن أنها أيضاً لا تجود، إلا من رحم الله.
فيا شبابنا! نريد أن نتعلم أن الجهاد لابد له من إعداد، وأول خطوة على طريق الإعداد هي الإيمان.
وأنا أفهم الواقع فهماً جيداً جداً، لكن ربنا لما أمر بالجهاد أمر المؤمنين فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورسوله}[الصف:١٠ - ١١] فأمرهم بالإيمان مع أنه أثبت لهم الإيمان، وبعد الإيمان قال:{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}[الصف:١١] فأثبت لهم عقد الإيمان فقال: يا أيها الذين آمنوا هل تريدون أن أدلكم على تجارة تنجيكم من العذاب والخزي في الدنيا والآخرة: تؤمنون بالله، وبعد الإيمان بالله تجاهدون؛ إذ ليس ممكناً أن يرفع السيف من لا يعرف الله، وأصحاب النبي إنما انتصروا بالإيمان.
وحتى لا يقول قائل: الشيخ في وادٍ والأمة في وادٍ أقول: الصحابة انتصروا؛ لأن الواحد منهم كان يدخل المعركة وهو يبحث عن الموت؛ والذي يدخل معركة وهو ينقب عن الشهادة وينقب عن الموت مؤمن بالله، والدنيا وإن طالت فهي قصيرة، إنما الآخرة هي الباقية.
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(والذي نفس محمد بيده! لا يقاتلهم اليوم رجل وهو صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا أدخله الله الجنة، قوموا لجنة عرضها السماوات والأرض)، كان أحد الصحابة قد أخرج تمرات يريد أن يأكلها حتى يقوي نفسه على القتال، فعندما سمع كلام النبي عليه الصلاة والسلام حرك قلبه.
وأنا أقسم برب الكعبة -وأنا أعي ما أقول- إن هناك ممن ينتسبون إلى الإسلام الآن لو خرج إليهم النبي فكلمهم لكذبوه! فانظر إلى الكلمة لما قيلت كيف عمل الصحابي؟! رمى التمرات، وقام وهو يقول:(بخٍ بخٍ؛ جنة عرضها السماوات والأرض؟!) ما بيني وبين الجنة إلا أن ألقي بهذه التمرات وأن أنطلق في صفوف القتال لأقاتل فأقتل لأكون من أهلها، فرمى التمرات وقال: والله لئن حييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة).
هؤلاء هم أهل الإيمان يا إخواننا! والعلماء كم لهم من سنة وهم ينفخون في قربة مقطوعة؟! لا يوجد إيمان إلا من رحم ربك في أفراد قلائل، أسأل الله أن يجعلنا منهم.