للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف أم معبد للنبي صلى الله عليه وسلم]

أختم الحديث بوصف أم معبد، وذلك أنه مرّ النبي عليه الصلاة والسلام عليها ليلة الهجرة هو والصديق، ففي الهجرة جاع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في طريق المدينة، فمرا على خيمة فوجدوا فيها امرأة وعندها نعجة مريضة هزيلة، فقام الصديق وقال لها: هل يوجد عندك أكل؟ قالت: لا والله ما عندي أكل، وكان من عادة العرب إكرام الضيف، هل عندك شراب؟ قالت: والله ما عندي، فالنبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى النعجة فقال: (هل يوجد في هذه النعجة لبن؟ قالت له: لا، ليس فيها لبن، وإنما لم ترع مع الغنم لأنها مريضة غير قادرة على المشي، فقال لها: هل تأذني لي بحلبها؟ قالت: نعم، إن وجدت بها لبناً، فمسح عليه الصلاة والسلام على الضرع، وهمهم بكلمات؛ فدر اللبن في الضرع بأمر الله، وأمر أبا بكر أن يحلب والمرأة تتعجب! كيف درت باللبن مع أنه لم يقربها الفحل؟! وبعد أن حلبها قال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق أم معبد فشربت، ثم قال: اشرب يا أبا بكر فشرب ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم آخرهم) وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

وهذا عبد الله بن مسعود رضوان الله عليه يقول: (إنكم لتعدون الآيات عذاباً، وكنا نعدها بركة على عهد رسول الله، فوالذي نفسي بيده! لقد كنا نجلس لنأكل مع رسول الله فنسمع تسبيح الطعام بين يديه)، إي والله! والحديث في صحيح مسلم.

وأبو هريرة عندما خرج في يوم من الأيام وكان قد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، يقول أبو هريرة: فمر علي الصديق فسألته عن آية من كتاب الله، والله ما سألته عنها إلا ليستتبعني فلم يستتبعني، وإنما أجابني عن سؤالي ومضى؛ لأنه لم يعلم بجوعي، ثم مر بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، والله ما سألته عنها إلا ليستتبعني، فأجابني ومضى ولم يفعل، يقول: فكنت جالساً فمر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (أبا هريرة قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق بي، يقول: فتبعت رسول الله فدخل إلى بيته فقال: هل عندكم من طعام؟ فقالت عائشة: نعم يا رسول الله! عندنا قدح فيه لبن أهدي لنا من فلان، يقول: ففرحت بذلك فرحاً شديداً، فقلت: سأشرب اللبن ويذهب ما بي من الجوع فقال لي: يا أبا هريرة ادع أهل الصفة) أهل الصفة: هم مجموعة من فقراء الصحابة كانوا يسكنون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كلما جيء بطعام للنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم منه، وأهل الصفة هم أضياف الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي هريرة: (ائتني بأهل الصفة، يقول أبو هريرة فحزنت لذلك حزناً شديداً، وقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟! ثم إنه دعاهم فأتوا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة! فقال: لبيك يا رسول الله، قال له: خذ القدح وأعطه واحداً واحداً حتى وشربوا جميعاً، يقول أبو هريرة: ثم نظرت في القدح فوالذي نفسي بيده وجدت القدح لم ينقص منه شيء، فقال لي الحبيب: أبا هريرة! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: اجلس يقول: فجلست، قال: اشرب، قال: فشربت، ثم قال: اشرب مرة ثانية، فشربت ثم قال: اشرب؛ فشربت للمرة الثالثة، فبعد الثالثة قال لي: اشرب فقلت له: والله لا أجد له مسلكاً يا رسول الله! يقول: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح فجلس وشرب يقول أبو هريرة: فوالله بعدما شرب رسول الله رأيت القدح وكأنه قد زاد عن أوله!).

إنها بركة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد قام أكثر من ثلاثمائة صحابي وتوضئوا من قدح صغير كما في الحديث الصحيح من حديث أنس قال: (فوالله رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا من بركة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.

نعود إلى أم معبد تقول: لما رجع زوجي رأى أشياء غريبة، فقالت له زوجته: لقد مر بي رجل شكله كذا وعمل كذا فحكت له القصة.

فلنسمع إلى أم معبد وهي تصف النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، يعني: عليه نور، حسن الخلق أي: أن شكله جميل، مليح الوجه، إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، أبهى الناس وأجملهم من بعيد، وأحلى الناس وأحسنهم من قريب، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً -انظر إلى بلاغتها- له رفقاء يحفون به -قيل: هم الصديق رضي الله عنه وعبد الله بن أريقط وابن فهيرة الذين كانوا معه في الرحلة، وعبد الله بن أريقط كان مشركاً- إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر ابتدروا أمره، صلى الله عليه وآله وسلم.

من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها أركان يا إخوة! ومن أركان المحبة طاعة النبي في كل ما أمر، والانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر، وتصديق النبي في كل ما أخبر.

ومحبة النبي يجب أن تكون أكثر من النفس والمال والولد، دون غلو وإفراط ودون تفريط.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن أحبوا الحبيب، واقتفوا أثر الحبيب، وساروا على دربه، واتبعوا سنته، وأسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وأن يحشرنا تحت لوائه، إنه ولي ذلك ومولاه.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.