للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثناء الله على نبيه إدريس عليه السلام بصدق الوعد]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: فيا أيها الأحبة! هذا هو قول الله تبارك وتعالى عن نبيه ورسوله إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:٥٤ - ٥٥].

وبعد أن حدثنا الله جل وعلا عن نبيه إسماعيل حدثنا عن نبيه إدريس عليهما الصلاة والسلام، ففي عجالة سريعة أقول: إن نبي الله إدريس -الذي قال الله في حقه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:٥٦ - ٥٧]- هو من أجداد نوح عليه السلام، ولقد زعم بعض المؤرخين أنه بعد نوح، ورد هذا الزعم الحافظ ابن كثير وغيره من المؤرخين الثقات، وقال: إن إدريس من أجداد نوح عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وهو أول من خط بالقلم، وهو أول من لبس المخيط.

ورفعه الله مكاناً علياً، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لما عرج بي إلى السماء أتيت على نبي الله إدريس في السماء الرابعة)، فقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:٥٧] أي: في السماء الرابعة، وقد التقى الرسول صلى الله عليه وسلم في السماء الأولى بآدم عليه السلام، والتقى في السماء الثانية بيحيى وعيسى عليهما السلام، والتقى في السماء الثالثة بيوسف عليه السلام، والتقى في السماء الرابعة بإدريس عليه السلام، والتقى في السماء الخامسة بهارون عليه السلام، والتقى في السماء السادسة بموسى عليه السلام، والتقى في السماء السابعة بإبراهيم عليه السلام.

والحقيقة أيها الأحبة! أن من يطلع على كتب السير والتفاسير يجد من الأساطير والخرافات التي نسجت حول رفع إدريس ما تنوء بحمله الجبال! ولكن أقول: لم يرد في كيفية رفع إدريس خبر صحيح عن الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا فسأكتفي بما ورد عن إدريس في القرآن الكريم وهو قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:٥٦ - ٥٧]، فلا ينبغي أن نلهث وراء هذه الخرافات والأساطير، فما سكت الله عنه وجب أن نسكت عنه، ولو علم الله في ذلك خيراً لذكره لنا، ولو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خيراً لذكره لنا.

إذاً: إدريس نبي من أنبياء الله جل وعلا، وصفه الله بالصديقية، وتقدم معنى كلمة (صديقاً) عند الكلام على خليل الله إبراهيم.

فإدريس نبي من أنبياء الله، رفعه الله مكاناً علياً، وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المكانة العالية بأنه في السماء الرابعة وكفى.

وبعد الحديث عن هذه الكوكبة المشرقة، وعن هذا الركب المضيء من الأنبياء والمرسلين، الذي بدأناه برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بالخليل ثم بموسى ثم بإسماعيل وبإدريس، يثني الله تبارك وتعالى عليهم جميعاً بقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:٥٨].

فكانوا إذا تليت عليهم آيات الرحمن اقشعرت الجلود، وارتعدت الأفئدة، ولم تسعفهم الكلمات أن يعبروا عن خوفهم وإجلالهم لربهم جل وعلا، فخروا سجداً وهم يبكون من هيبة الله وعظمته عز وجل.