لما حضرَت الَوفاة عمرو بن العاص صعد إليه ولده وقال له: يا أبتي! لقد كنت تتعجب ممن نزل به الموت ولا يستطيع أن يصف الموت، ولقد نزل الموت بك اليوم، فصف لي الموت يا أبتاه! فماذا قال عمرو بن العاص؟! قال: يا بني! إن الأمر أكبر مما كنت أتوقع بكثير، إن أمر الموت أكبر من هذا بكثير، ولكنني سأصف لك شيئاً منه، والله إنني لأحس الآن أن في جوفي شوكة عوسج، وأن على شفتي جبلاً عظيماً، وإن روحي كأنها تخرج من ثقب إبرة، وأن السماء قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما.
هذا قليل من كثير! ويكفيك في سكرات الموت وكربات الموت، أن ترى ملك الموت، فلرؤية وجه ملك الموت أشد من آلاف الضربات بالسيوف، رؤية وجه ملك الموت أشد من ضربة بسيف، فيا أيها المسلمون، يا أيها العاصون، يا أيها المذنبون، يا أيها الغافلون، يا من تمرحون وراء الفتن، ويا من تمرحون وراء الهوى، ويا من تمرحون وراء الشهوات، ويا من تعصون الله ليل نهار! انتبهوا فإن الموت قريب، إن الموت يأتي بغتة، وبعد الموت ستعرضون على الله فرداً فرداً، وستسألون أمام الله حرفاً حرفاً، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:٧ - ٨].
هذه هي المرحلة الثانية، يوم أن تنتقل بالموت من عالم الحياة إلى عالم الفناء، من القصور إلى القبور، من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، من ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، من التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب.
أسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم ممن ختم الله لهم عند موتهم بالتوحيد، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.