الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:٦٢]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور العامرة بالإيمان إن شاء الله جل وعلا، وأسأل الله سبحانه أن يتقبل مني ومنكم صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله: إننا اليوم على موعد مع يوم كريم من أيام شهر رمضان، إنه يوم أعز الله فيه دينه، ونصر فيه عبده، وأعز فيه جنده، واستنقذ فيه بيته الحرام، وبلده الأمين من أيدي الكفار والمشركين، إنه يوم الفتح الأعظم الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به نور الأرض ضياءً وابتهاجاً، وتحطمت فيه الأصنام ونكست رءوسها في ذل شديد، وتهللت الكعبة فرحاً بشروق يوم التوحيد، إنه يوم الفتح الأعظم، إنه يوم فتح مكة في العاشر من رمضان في السنة الثامنة من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
تعالوا بنا -أحبتي في الله- لنعيش هذه الدقائق المعدودات مع هذا اليوم الكريم المبارك، وأنا أعلم يقيناً أن كثيراً من المسلمين لا يعلمون عن هذا اليوم إلا القليل القليل القليل، لماذا؟ لأن أعداء ديننا قد بذلوا كل ما يملكون، ليقطعوا الصلة بين المسلمين وبين تاريخهم المجيد المشرق، وذلك بتشويه حقائق التاريخ من ناحية، وبالحيلولة بين أبناء الأمة وأجيالها وبين حقائق التاريخ من ناحية أخرى، فنشأ جيل في فترة الاستغراب الطويلة الماضية، نشأ جيل لا يعرف عن إسلاميته ولا عن تاريخ فتوحاته ولا بطولاته وأمجاده شيئاً، في الوقت الذي يعرف فيه الكثير والكثير عن تاريخ الغرب، فقد تجد كثيراً من المسلمين يعرفون الكثير والكثير عن الثورة الفرنسية، أو عن الثورة البلشفية، ولا يعرفون إلا القليل عن غزوات خير البرية صلى الله عليه وسلم.
فقد ترى الشاب في هذه الأيام قد يعرف نابليون، وقد يعرف إستالين، وقد يعرف غيرهم وغيرهم، وهو لا يعرف شيئاً عن صلاح الدين، ولا عن محمد بن مسلمة، ولا عن خالد بن الوليد، ولا عن عمرو بن العاص، ولا عن غيرهم من هؤلاء الأطهار الأبرار الأخيار، فتعالوا بنا -أحبتي في الله- لنعيش مع هذا اليوم، وإني لأرى أنه من الواجب علينا أن نعاود من جديد دراسة تاريخنا الإسلامي، وأن نقف عند حقائقه؛ لأن التاريخ قد شُوه وحُرف وبُدل، وأن نعلم أولادنا حقيقة وعظمة تاريخنا، وعظمة وبطولات أبطالنا ورجالنا وأطهارنا؛ لينشأ الجيل على سير هؤلاء الأطهار الأبرار، بدل أن يغذى على سير أولئك الأوباش والأنجاس.