أولاً: رمضان شهر الخير والبركة، كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أقبل شهر رمضان يقول:(أتاكم شهر رمضان؛ شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم).
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة)، وفي رواية مسلم:(إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة)، وفي رواية الترمذي:(إذا كان أول ليلة من رمضان غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر! ولله في كل ليلة من رمضان عتقاء من النار، وذلك حتى ينقضي رمضان) اللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا الشهر الكريم يا عزيز يا غفار! وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة -أي: وقاية- فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم! وفرحنا يوم لقائك يا أرحم الراحمين! فالصائم يفرح بأن يسر الله له الصيام فصام، ويفرح بأن أعانه الله على الصيام فصام، وإذا لقي ربه جل وعلا فيفرح الفرحة الكبرى التي لا شقاء ولا حزن بعدها أبداً، فيتمتع بالنظر إلى وجه ربه الكريم، ومن يسر الله له ذلك فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، نسأل الله أن ينضر وجوهنا بالنظر إلى وجهه الكريم؛ إنه على كل شيء قدير.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) إيماناً بالله جل وعلا واحتساباً للفضل والأجر من عند الله عز وجل، فأبشر أيها الموحد! أبشر أيها الصائم لله في رمضان! ومما زادني فخراً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبياً فيا من جاذبتك أشواك المعاصي قبل رمضان! ويا من زلت قدمك في بحر الذنوب قبل رمضان! ها هو شهر الطهر قد جاء، وها هو شهر الرحمة قد أهل عليك، وها هو شهر المغفرة قد أقبل عليك، فهيا ضع جبينك وأنفك في التراب ذلاً لمولاك، واطرح قلبك بانكسار بين يدي العزيز الغفار، وقل له: يا رب! يا رب! يا رب ضيعت فيما مضى، واعترف له بذنبك وقل: أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا أنا العبد الذي أضحى حزيناً على زلاته فزعاً كئيبا أنا العبد المسيء عصيت سراً فما لي الآن لا أبدي النحيبا أنا العبد المفرط ضاع عمري فلم أرع الشبيبة والمشيبا أنا العبد السقيم من الخطايا وقد أقبلت ألتمس الطبيبا ويا خجلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا ويا حزناه من حشري ونشري بيوم يجعل الولدان شيبا ويا خوفاه من نار تلظى إذا زفرت وأفزعت القلوبا ألا فاقلع وتب واجهد فإنا رأينا كل مجتهد مصيبا وكن للصالحين أخاً وخلاً وكن في هذه الدنيا غريبا أنا العبد الفقير ظلمت نفسي وقد وافيت بابكم منيبا أنا المقطوع فارحمني وصلني ويسر منك لي فرجاً قريبا أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً -بالله- واحتساباً -للأجر من الله جل وعلا- غُفر له ما تقدم من ذنبه) الله أكبر! يا له من فضل! ووالله لا يُرحم منه إلا الهالك الخاسر، ففي الحديث الذي رواه أصحاب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال:(رغم أنف عبد أدرك رمضان ثم انسلخ رمضان ولم يغفر له) فمن الآن اصدق الله عز وجل، وعاهده على ألا ينسلخ رمضان من بين يديك إلا وقد غفر الله عز وجل لك، وألا يخرج إلا وأنت حريص مقيم على طاعة الله، وعلى كل عمل يرضي الله جل وعلا في رمضان، وإياك! أن تنشط للعبادة في النصف الأول فإذا أقبل عليك النصف الثاني من رمضان تكاسلت وانشغلت بالمباريات والمسلسلات والأفلام! فأحذر نفسي وإياك أخي الحبيب! وأحذر نفسي وإياك يا أختاه! ألا نضيع العمر أمام المسلسلات، وأمام الفوازير والأفلام، فقد ضيعنا الأيام قبل ذلك، فوالله! ثم والله! لا نضمن أن نصوم رمضان القادم؛ فانظر إلى آبائك وأحبابك وإخوانك الذين كانوا معك في رمضان الماضي أين هم؟! لقد تركوا الأهل تركوا الأحباب تركوا الدنيا، وهم الآن بين يدي الله، ويتمنى الكثير منهم أن يرجع يوماً إلى الدنيا ليصوم لله، أو ليصلي ركعة لله، أو ليفتح كتاب الله، أو ليتصدق على فقير، أو ليزور مسكيناً، أو ليصل رحمه، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ * حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون:٩٧ - ١٠٠].
نام هارون الرشيد على فراش الموت فبكى، وقال لمن حوله من أصدقائه وأقربائه ووزرائه: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، فحملوا هارون إلى القبر فنظر إليه وبكى، ورفع رأسه إلى السماء وقال:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:٢٨ - ٢٩]، ثم رفع رأسه إلى السماء ثانية وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه.
أيها الأحباب! لا أريد أن أطيل مع كل فقرة من هذه الفقرات؛ لأعرج على بقية العناصر، إن شاء الله جل وعلا.