وأكتفي بهذا القدر، وهنا أذكر قصيدة طلبها والد كريم، ولا أرى لها مناسبة، لكن أذكرها تلبية لرغبة الأحبة وعلى رأسهم والدنا الكريم هذا، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الصادقين، وهذه القصيدة هي لـ علي زين العابدين، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح لها القلوب، وأن يرزقنا العمل.
فأذكر جميع أحبابي بأن المحبة الصادقة للنبي عليه الصلاة والسلام تتمثل في العمل، تتمثل في أن تحافظ على الصلاة، وتقرأ القرآن، وتبعد عن الحرام، وتحب الإخوة، وبالجملة أن تستقيم على منهج الله؛ لأن كل واحد وإن عمر مائة سنة أو ألف سنة فإنه في النهاية راحل وذاهب إلى الله عز وجل، فستلقى الله حتماً، فتفكر أين فرعون وهامان؟ وأين النمرود؟ وأين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟ كما قال الشاعر: أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم؟ وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان فالدنيا مهما طالت -أخي الحبيب! فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.
فالدنيا يا أخي الكريم! دار ممر، والآخرة هي دار المقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تفضحوا أستاركم عند من يعلم أسراركم.
قال زين العابدين علي بن الحسين رحمه الله: سفري بعيد وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني ولي بقايا ذنوب لست أعلمها الله يعلمها في السر والعلن ما أحلم الله عني حين أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني كأنني بين جلّ الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب هذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرق بلا رفق ولا هون كأنني وحولي من ينوح ومن يبكي علي وينعاني ويندبني وقام من كان حبُّ الناس في عجل نحو المغسِل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأودعوني على الألواح منطرحاً وصار فوقي خرير الما ينظفني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وحملوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفي من يشيعني وأخرجوني من الدنيا فوا أسفاه على رحيل بلا زاد يبلغني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني إلى قبري على مهل وقدموا واحداً منهم يلحدني فكشََف الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقني وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياًَ إلا هديته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً برحمتك يا أرحم الراحمين! والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.