[التحذير من الظلم]
إن من الناس الآن من هو مقيم على معصية الله، ولكن الله يستره ويحفظ عليه نعمه، فيظن المسكين أن المعصية هينة حقيرة، ولولا أنها كذلك لعجل الله له العقوبة في الدنيا، بل ربما يفتخر بأنه عصى الله بليل فيصبح ليهتك ستر الله عليه بنهار، ونسي المسكين أن حلم الله عليه استدراج له من الله جل وعلا.
وتدبر معي قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢]).
أيها المظلوم! إياك أن تظن أن الله قد أهمل الظالم، أو أن الله عز وجل قد نسي الظالم فتعالى ربنا فلا يظل ربنا ولا ينسى، بل إن الله ليملي لأهل الظلم، والطغيان حتى إذا ما أخذهم فلن يفلتهم ربنا جل وعلا.
أين الطواغيت والظالمون في كل زمان؟! أين قارون؟! أين فرعون؟! أين هامان؟! أين النمرود بن كنعان؟! أين أصحاب الأخدود؟! أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي؟! أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل فارق الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان قال ربنا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧].
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) فمن الناس من يغتر بالنعم، ومن الناس من يغتر بحلم الله وستره عليه، ومن الناس من صرف قلبه وهمه ووقته إلى الدنيا، فأصبحت الدنيا غايته التي من أجلها يعيش ويبذل العرق والجهد والفكر والعقل، لا هم له إلا هذه الحياة، يسمع الأذان فلا يقوم يتعلم التوحيد فلا يتأثر يوعظ بالقرآن والسنة فلا يتحرك قلبه ولا يعيش إلا من أجل هذه الحياة الدنيا.
والله لقد أخبرني إخواني في أمريكا عن رجل ينتسب إلى الإسلام، ولكنه قد فتح محلاً كبيراً يبيع فيه الخمر والخنزير وقد ضيع الصلاة، فلما ذهبت إلى هنالك يوماً أراد مني إخواني أن أذهب لزيارة هذا الرجل لأذكره بالله عز وجل، فذهبت إليه، ولما قمت بتذكيره بآيات القرآن وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام رد عليّ هذا الغافل اللاهي وقال: يا شيخ! والله ما أتيت إلى هذه البلاد لأصلي أو لأذهب إلى المساجد وإنما أتيت لأجمع مبلغاً من الدولارات وأعدك إن عدت إلى بلدي مرة أخرى فسأفتح مشروعاً وبعد أن أستقر فسأقضي جل عمري في بيت الله عز وجل، قلت: والله لا أضمن لك ذلك؛ لأنني ما وقعت لك ولا لنفسي صكاً مع ملك الموت أن يمهلك أو أن يمهلني حتى أرجع إلى بلدي مرة أخرى، فنظر إلي المسكين وقال: أريد أن أصارحك بشيء، قال: أبشرك! -يظنها بشارة- أنني إذا أصبت بحالة من الصداع أخرجت ورقة مائة دولار ووضعتها على رأسي فيذهب الصداع في الحال، قلت: صدق سيد الرجال إذ يقول: (تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار) فقلت له: أنت عبد الدولار أنت عبد لشهواتك أنت عبد لهذه الحياة الدنيا.
إلى متى تعبد الكرسي الذي جلست عليه؟! إلى متى تعبد المال الذي من أجله ضيعت حقوق الله؟! إلى متى تعمل من أجل هذه الحياة الدنيا، وكأنك لن تعرض على الله جل وعلا؟ {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:٧ - ٨].
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا)، أي: هو لا يرجو لقاء الله، بل إذا ذكّر بلقاء الله قال لك: ذكرنا بموضوع آخر وإن ذكرته بالموت قال: نريد أن نشعر بالحياة نريد أن ننعم بالحياة لماذا تريدون أيها المشايخ أن تعقدونا من هذه الحياة الدنيا.
كلا، نحن لا نعقدك بل إننا نحذرك من الركون إليها، ونحذر أنفسنا، والله نسأل أن يختم لنا ولكم بخاتمة الإيمان؛ لأننا نعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهأنذا الآن أذكرك بالله جل وعلا، ولكن ورب الكعبة لا أضمن ولا تضمن ما هي الخاتمة، ولكننا نستعين بالله عز وجل، من باب قول الحافظ ابن كثير: لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.