[الحق الأول: الحب في الله والبغض في الله]
لن تتذوق طعم الأخوة إلا بهذا، أصبح الولاء الآن على غير هذا الأصل، وأصبح البراء على غير هذه الغاية؛ الحب في الله والبغض في الله، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان).
والحب في الله شيءٌ غالٍ، وأمرٌ عظيم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ينادي ربنا جل وعلا يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) لو عرفت هول الموقف؛ لاستشعرت حلاوة هذا الكلام النبوي، لو تصورت أن الشمس فوق رأسك، وأنك غارقٌ في عرقك، وأن جهنم قد جُرَّت إلى أرض المحشر، وقد أُتي بها لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملكٍ يجرونها -والحديث في صحيح مسلم - لو تصورت أن الله قد غضب في هذا اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، لاستشعرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينادي الحق: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) حديثٌ عجيب جميل، وجزاءٌ عظيم للحب في الله، بل لن تتذوق طعم الإيمان إلا بالحب في الله والبغض في الله، كما في الصحيحين من حديث أنس: (ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف به في النار).
بل وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرصد الله له على مدرجته -أي: على طريقه- ملكاً، فقال له الملك: أين تريد؟ قال: لأزور أخاً لي في هذه القرية، فقال له الملك: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ -أي: تريد زيادتها- قال: لا.
غير أني أحببته في الله، فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه) من أنت لتنال حب الله جل وعلا بالحب في الله والبغض في الله.
بل في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ومالك في الموطأ بسندٍ حسن صحيح، أن أبا إدريس الخولاني رحمه الله قال: دخلت مسجد دمشق وإذا بفتى براق الثنايا، والناس من حوله يسألونه ويصدرون عن رأيه، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، يقول: فلما كان من الغد هجَّرت إلى المسجد -أي: بكرت- فرأيت معاذاً قد سبقني بالتهجير ووجدته قائماً يصلي، فانتظرت حتى قضى صلاته، ثم أتيته من قبل وجهه فسلمت عليه وقلت له: إني أحبك في الله، يقول: فأخذني بحبوة ردائي -جبذني بحبوة ردائي- وقال: آللهِ، فقال: أبو إدريس: آللهِ، قال معاذ: آلله تحبني في الله، قال أبو إدريس: آلله، قال: آلله -ثلاثاً- قال أبو إدريس: آلله، فقال له معاذ: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ).
ومن السنة -أخي الحبيب- إن أحببت أحد إخوانك أن تبين له حبك، فهذا مما يدعم أواصر الأخوة بينك وبين أخيك، كما في الحديث الذي رواه أبو داود بسندٍ صحيح، من حديث المقدام بن معد كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره).
وفي سنن أبي داود بسندٍ صحيح من حديث أنس أن رجلاً مر على مجلس النبي، فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إني أحب هذا فقال له النبي: أأعلمته، قال: لا.
قال صلى الله عليه وسلم: فأعلمه، فانطلق الرجل خلف أخيه، وقال: إني أحبك في الله، قال: أحبك الله الذي أحببتني له).
وامتثالاً لهذا الحديث النبوي فأنا أشهد الله أني أحبكم جميعاً في الله، وأسأل الله أن يجمعنا مع المتحابين بجلاله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأبشر حبيبي في الله فإن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب.
- حدد من تحب؟ ففي الصحيحين من حديث أنس أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير عمل ولا صلاة غير أني أحب الله ورسوله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب) يقول أنس: [فما فرحنا بشيء كفرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)].
يقول عبد الله بن عمر رضوان الله عليه: [والله لو صمت النهار لا أفطر، وقمت الليل لا أرقد، وأنفقت مالي في سبيل الله، أموت يوم أموت وليس في قلبي حبٌ لأهل طاعة الله، وبغضٌ لأهل معصية الله، ما نفعني ذلك كله].
ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [لو قام رجلٌ يعبد الله بين الركن والمقام سبعين سنة لحشر يوم القيامة مع من يحب] ولاء وبراء، لا يصح لك دينٌ إلا بالولاء والبراء، بالحب في الله والبغض في الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١].
قال حذيفة بن اليمان: [فليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري لقوله تعالى: ((وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ))].
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان
إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان
فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بهتان
...
لو صدقت الله حين زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر
وواليت أهل الحق سراً وجهرةً ولما تعاديهم وللكفر تنصر
فما كل من قد قال ما قلتَ مسلماً ولكن بأشراطٍ هنالك تذكر
مباينة الكفار في كل موطنٍ بذا جاءنا النص الصحيح المقرر
وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذلك وتجهر
فهذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنتَ تشعر