تاسعاً: الحلم والعفو: فمحال أن تعيش البيوت من غير مشاكل على طول الخط، فلقد وقعت المشاكل في بيوت النبي المصطفى، بل من أعجب ما قرأت: ما ثبت في صحيح البخاري أنه حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عائشة كلام، فغضبت عائشة فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم:(هل تقبلين أبا بكر حكماً بيننا؟! قالت: نعم، فجاء أبو بكر رضي الله عنه، فلما جلس الصديق قال النبي لـ عائشة: تتكلمي أم أتكلم أنا؟ فقالت عائشة: تكلم ولا تقل إلا حقاً؛ فانتفض الصديق رضي الله عنه لهذه الكلمة، ولطم عائشة على وجهها لطمة أدمت فمها -نزف الدم من فمها- فقامت عائشة تجري وتختبئ خلف رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لهذا دعوناك وما بهذا أمرناك يا أبا بكر!).
هذا بيت من بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
فيا من يعيش في أحلام وخيال ويعتقد أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تتعكر أبداً، ولا يمكن أن تنتابها من آن لآخر رياح سموم، هذا زوج يعيش في الأوهام والأحلام، لكن إن اعتقدنا أن البيت ربما يعكر من آن لآخر بمشكلة خارجية أو مشكلة داخلية، فالذي يجب على الزوج في هذه الحالة أن يكون حليماً عفواً، فإن أخطأت الزوجة في حقه، وجاءت لتعتذر ولتندم على ما بدر منها فيجب عليه أن يعفو عن امرأته فوراً، ولا ينبغي أن يستكبر وأن يستعلي، وأن ينتفش وينتفخ، وأن يتمرد ولا يترك الزوجة تتودد إليه وهو مكابر عنيد.
وأحياناً -كما أقرأ في الرسائل والمكالمات- تقول المرأة لزوجها: أنا مستعدة أن أقبل قدمك، وهو يستعلي وينتفخ وينتفش، وكلما سمع كلمات الندم والأسف انتفخ، وظن أنه كالبالونة ينبغي أن يطير في الهواء، ولاينبغي أن يساكن هذه المرأة الضعيفة في هذا البيت، وهذا ظلم وكبر! وهذا زوج مملوء بالكبر وهو لا يدري، (فالكبر بطر الحق، وغمط الناس)، أي: ازدراء الناس، وأقرب الناس إليك هي امرأتك، فإن وقعت المشكلة وجاءت المرأة لتتأسف ولتندم، فيجب على الزوج وجوباً أن يكون حليماً عفواً، فإن الكمال لله وحده، وإن العصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أشج عبد القيس:(إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة)، وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه)، وما أحلى وأجمل قول الله تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:١٣٤].