أيها الأحبة: إن الناظر إلى الحضارة الغربية يجد أنها قد فقدت العنصر الأخلاقي، ومن المعلوم أن سنة الله في تطوير الحياة أن الحضارة اللاحقة حتماً ولابد أن تتفوق على الحضارة السابقة في الجانب المادي، وهذه سنة من سنن الله في تطوير هذه الحياة، فمن العبث أن نطالب الحضارة السابقة بما وصلت إليه الحضارة اللاحقة في جانب التطوير المادي.
وأضرب لكم مثالاً ليتضح ما أقول: انظر إلى الكتابة في الماضي السحيق، وانظر الآن إلى الكتابة بعد هذا التطور المذهل في آلات الطباعة الحديثة التي تطبع الآن عشرات الآلاف من الكلمات في الدقيقة الواحدة، فما وصل إليه الغربي الآن إنما هو محصلة لأدمغة وعقول عشرات الأجيال، فمن العبث أن نطالب الحضارة السابقة بما وصلت إليه الحضارة اللاحقة في جانب المادة، لكن محال أن ترتقي حضارة على ظهر الأرض أو أن تدوم بالعنصر المادي فقط، بل إن الحضارة لا تسود ولا تبقى إلا بالعنصر الأخلاقي؛ ليحدث التوازن بين العنصر المادي وبين العنصر الأخلاقي.
وارجع البصر مرة ومرة وكرة بعد كرة إلى العنصر الأخلاقي في ظل قيادة الرجل الغربي؛ لتعلم أنها حضارة قد تجردت من الأخلاق، لتعلم أنها حضارة العبيد، يسعد فيها ابن الحضارة الكافرة بأن يجلس لا على كرسي، بل على عظام أخيه الإنسان! يسعد فيها ابن هذه الحضارة لا بشرب كأس من الماء البارد، وإنما بشرب برك دماء لإخوانه هنا وهناك! انظر لتتعرف على حقيقة هذه الحضارة التي تجردت من كل خُلق ومن كل فضيلة! انظر الآن إلى ما يجري على أرض البوسنة، وارجع البصر كرة أخرى إلى ما يجري الآن على أرض الشيشان!! وارجع البصر كرة ثالثة إلى ما يجري الآن على أرض فلسطين!! وارجع البصر كرة رابعة إلى ما يجري الآن على أرض العراق!! وارجع البصر كرة خامسة إلى ما يجرى الآن على أرض كشمير!! وارجع البصر كرة سادسة وسابعة وعاشرة إلى ما يجري الآن في كل مكان وُحِّدَ فيه الملك جل جلاله؛ لترى إلى أي درك دنيء وصلت حضارة الغرب في جانب الأخلاق! لا خلق، لا فضيلة، وإن خرج علينا ابن هذه الحضارة الكافرة بهذه الشعارات الرنانة الجوفاء كحقوق الإنسان، والديمقراطية المشئومة، وحرية المعتقدات، والنظام العالمي والسلام العالمي، إلى آخر هذه الدعاوى الكاذبة التي لم تعد تنطلي الآن إلا على السذج والرعاع.
إن هذه الأفعال البشعة تبين بجلاء لكل ذي لب حضارة الغرب في هذه الأيام، رغماً عن أنف الدجل الإعلامي والعهر السياسي الذي يتغنى به قادة الغرب في قاعات المؤتمرات وفي المجالس والهيئات والمنظمات، يتغنى قادة العالم الغربي بهذه الشعارات والواقع يكذِّب هذا الدجل الإعلامي، ويكذب هذا العهر السياسي.