تدبر معي أيها المسلم الكريم تتابع الأحداث، يقول الله جل وعلا:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات:١٠٢] لم يكد إبراهيم عليه السلام يأنس بولده ويسعد بصباه ويفرح بسعيه معه، إلا ويفاجأ إبراهيم بهذا الابتلاء العظيم؛ إنه يرى أنه يذبح ولده في المنام بيديه! ورؤيا الأنبياء وحي.
إنها التضحية، إنه الإباء، رحماك رحماك يا الله! التضحية بماذا؟ التضحية بالابن الوحيد الذي طالما تطلع إليه إبراهيم عليه السلام، إنه الابتلاء الذي لا مثيل له في تاريخ البشر، إنها التضحية التي ترتقي إلى أفق وضيء، تعجز عقول البشر أن تتصوره مجرد تصور فحسب، إنه الفداء الذي يجسد نبل الطاعة، وحلاوة الإيمان، وعظمة الاستسلام لله جل وعلا، وبرد اليقين بالله تبارك وتعالى.
أيها المسلمون! هل تتصورون هذه اللحظات وإبراهيم عليه السلام يقوم لينفذ أمر ربه جل وعلا بهذا الغلام البار الحليم، ويقول له:{يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات:١٠٢]، فيرد الولد الذي يرتقي هو الآخر إلى أفق قد ارتقى إليه من قبله أبوه عليهما السلام، يقول الغلام البار:{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:١٠٢].
وانطلق إبراهيم للتنفيذ فعلاً:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات:١٠٣] أي: ألقى إبراهيم الولد على وجهه ليذبحه من قفاه حتى لا تقع عين إبراهيم على عين ولده البار، فتخاطب البنوة الوادعة الحميمة البارة الأبوة الرحيمة الكريمة في قلب إبراهيم، فيتوانى عن تنفيذ أمر رب العالمين جل وعلا! وهنا يكون الابتلاء قد تم، ويكون الاختبار قد وقع، وتكون النتيجة قد ظهرت، ويكون إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قد جاوزا الابتلاء والاختبار الذي ابتلاهما به العزيز الجبار جل وعلا، فظهرت العبودية لله، وظهر الاستسلام لأمر الله، والله جل وعلا لا يريد من عباده إلا العبودية والاستسلام والإذعان، حتى لا تستبقي النفس لنفسها في نفسها شيئاً ولا تقدم شيئاً على الله ولا على أمر الله جل وعلا ولا على نواهيه ولا على حدوده.