أحبتي في الله! إن العالم اليوم محروم من الأمن والأمان، رغم هذه الوسائل الأمنية المذهلة التي وصل إليها العلم الحديث، ورغم هذه الاختراعات والابتكارات المذهلة التي يكتشف ويخترع منها كل يوم الجديد والجديد، ورغم هذا التخطيط الهائل المبني على الأسس العلمية والنفسية لمحاربة الجريمة.
بالرغم من هذا كله فإن العالم بأسره لا زال محروماً من الأمن والأمان، وإن الملايين من البشر في عالمنا اليوم يعيشون في حالة من الرعب والفزع والذعر والخوف والقلق، بل وينتظرون الموت في كل لحظة من لحظات حياتهم، لما يرونه بأم أعينهم من إبادة للجنس البشري، ولما يرونه بأم أعينهم من رخص شديد للدم البشري! بل لقد تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها من رءوس نووية وطائرات وصواريخ وقنابل وبنادق وغيرها، هذه هي الوسائل الأمنية التي اخترعها وابتكرها العالم لحمايته ولأمنه ولاستتباب استقراره، تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها إلى مصادر رعب وفزع وهلاك وخوف واضطراب، وتعالت الأصوات، وصرخ المفكرون والأدباء والسياسيون هنا وهناك لنزع هذه الرءوس ولتقليص هذه الوسائل، وبالرغم من هذا كله لا زالت الملايين من البشر في عالمنا اليوم تعيش حالة من القلق والفزع والخوف والاضطراب، وأصبحت الدنيا في أعين هؤلاء الضعفاء البائسين المشردين مظلمة على الرغم من كثرة الأضواء من حولهم، وأصبحت الدنيا في أعينهم ضيقة على الرغم من كثرة الميادين والحدائق واتساع الصحراء بعدما طردوا من ديارهم وأموالهم وأوطانهم! وهكذا حرم العالم اليوم من الأمن والأمان على كثرة هيئاته ومنظماته وقوانينه ومواثيقه، حرم بعد هذا كله من نعمة الأمن والأمان، بل ووالله لا أكون مغالياً إن قلت: لقد أصبح الإنسان في عالمنا اليوم يفعل بأخيه الإنسان ما تخجل الوحوش أن تأتيه في عالم الغابات.