للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[هل رضيتم؟]

تدبر معي هذا العنصر من عناصر هذا اللقاء: هل رضيتم؟ لتعلم أن نعيم الجنة الحقيقي بعد كل هذا لا يساوي شيئاً إلى جوار أعلى وأعظم نعيم، وهل في الجنة ما هو أجل من هذا؟ وهل في الجنة ما هو أعلى من هذا؟ نعم، إن أعلى نعيم في الجنة ليس في لبنها ولا عسلها ولا مائها ولا خمرها ولا فضتها ولا ذهبها ولا حورها ولا قصورها، وإنما أعلى نعيم في الجنة هو في رؤية وجه ربها، قال عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣].

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله جل وعلا: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير بين يديك، فيقول ربنا جل وعلا: هل رضيتم؟ فيقول أهل الجنة: وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).

وجاء عن صهيب الرومي رضي الله عنه في صحيح مسلم عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (فيكشف الحجاب)، ما الحجاب؟ حجاب من النور كما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) هذا في الدنيا؛ لأن الناس في الدنيا ليسوا مهيئين، ولولا أن الله يهيئهم في الجنة للرؤية لوقع بهم ما وقع للجبل الذي تجلى له ربه فخر موسى صعقاً، فالله يهيئ أهل الجنة للرؤية، يقول: (فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجه الله جل وعلا، وتلا قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦])، والحسنى هي الجنة وكل ما فيها من نعيم، والزيادة هي النظر إلى وجه ربنا الكريم.

ولله در علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إذ يقول: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها وكم من مدائن في الآفاق قد بنيت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها أين الملوك التي كانت مسلطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها إن المكارم أخلاق مطهرة الدين أولها والعقل ثانيها والعلم ثالثها والحلم رابعها والجود خامسها والفضل باقيها لا تركنن إلى الدنيا وزينتها فالموت لا شك يفنينا ويفنيها واعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها أنهارها لبن مصفى ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها والطير تجري على الأغصان عاكفة تسبح الله جهراً في مغانيها فمن يشتري الدار بالفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنان برحمته وكرمه؛ إنه الرحيم الرحمن، وبقي أن نتعرف في عجالة سريعة جداً على الطريق إلى الجنة، وذلك بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.