للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطريق إلى الله هو طريق الرسول والصحابة]

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:٦٢]، عالم الغيب والشهادة الذي استوى في علمه ما أسر العبد وما أظهر، الذي يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، حمداً لك يا من اعترف بفضلك وكرمك كل حاضرٍ وباد، حمداً لك يا من اغترف من بحر جودك وكرمك كل رائح وغاد، حمداً لك يا من نطقت بوحدانيتك الكائنات.

فالسماء دائماً وأبداً تقول: سبحان من رفعني بقدرته، وأمسكني بقوته، فهو ركني وعمادي! والأرض تقول: سبحان من وسع كل شيء علماً ومهد مهادي! والبحار تقول: سبحان من بمشيئته أجراني، وأسال عيون مائي لخطَّابي وورَّادي! والعارف به يقول: سبحان من دلني عليه، وجعل إليه مرجعي ومعادي! والمذنب يقول: سبحان من اطلع علي في المعصية ورآني، فلما رآني سترني وغطاني، ولما تبت إليه تاب علي وهداني.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الواحد الذي لا ضد له، والصمد الذي لا منازع له، والغني الذي لا حاجة له، جبار السماوات والأرض، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:١٠٣].

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزهاً عن الحلول والانتقاص، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته، والكرسي وعظمته، الكل محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة؛ لأنه تبارك وتعالى كان ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان، لم يتغير عما كان، لا يحويه زمان، ولا يحده مكان، علم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].

لا إله غيره، ولا رب سواه، من توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجاه، ومن فوض إليه الأمر هداه، وصدق الله إذ يقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:٣٦].

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا محمداً رسول الله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله صلاةً وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء، ويا سيد المرسلين، وأشهد لك يا سيدي -ويشهد معي الموحدون- أنك أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت الله حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيل ربك حتى أجبت مناديه، وعشت طوال أيامك تمشي على شوك الأسى، وتخطو على جمر الكيد والعنت، تلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علمت الجاهل يا سيدي، وقومت المعوج، وأمَّنت الخائف، وطمأنت القلق، ونثرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنثر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصلِّ اللهم وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، وجزاك الله عنا وعن الإسلام خير ما جازى الله به نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه.

يا مصطفى ولأنت ساكن مهجتي روحي فداك وكل ما ملكت يدي

إني وقفت لنصر دينك همتي وسعادتي ألا بغيرك اقتدي

لك معجزات باهرات جمة وأجلها القرآن خير مؤيدي

ما حرفت أو غيرت كلماته شلت يد الجاني وشاه المعتدي

وأنا المحب ومهجتي لا تنثني عن وجدها وغرامها بمحمد

قد لامني فيه الكفور ولو درى نعم الإيمان به لكان مساعدي

يا رب صلِّ على الحبيب محمد واجعله شافعنا بفضلك في غدِ

اللهم صل وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله، صلاةً وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء! ويا سيد المرسلين! أما بعد: فيا أيها الأحباب! أحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم! تعالوا بنا لنطوف سوياً في روضة القرآن الكريم، لنتعرف اليوم على الطريق الصحيح، فإن موضوعي اليوم مع حضراتكم بعنوان: الطريق إلى الله عز وجل، أين الطريق إلى الله عز وجل؟ خاصة وأن كثيراً من الناس اليوم قد التبست عليه الأمور واختلطت، وتشعبت به الأهواء، وكثرت من حوله الفتن، وكثرت بين يديه وأمام عينيه الفرق والجماعات، وهو في حيرة، أين هو؟ بل وأين الطريق؟ إن الطرق أمامه قد تشعبت، وإن الفرق أمامه قد اختلفت وتكاثرت وتباينت، الكل ينتصر لرأيه، والكل ينادي لمنهجه وفكره، حتى وصل الأمر إلى حد التصادم والنزاع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فتعالوا بنا لنضع النقط اليوم على الحروف، لنتعرف على الطريق، أين الطريق الذي يوصلنا إلى الله جل وعلا في وسط هذا الركام الهائل من الأفكار والفلسفات والمبادئ؟ يقول صاحب ظلال القرآن -حتى تتعرفوا على الحقيقة- يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله: إن الدنيا كلها بمبادئها وأفكارها وفلسفاتها ومناهجها إن لم تكن مرتبطة بمنشئها الأول، وقدوسها الأجل الأعظم وهو الله جل وعلا، فإنما هي في ضلال وضلال، إن الطريق هاهنا واضح وبين، وإن الطريق هاهنا بين.

الطريق إلى الله -أيها الأحباب- هو طريق واحد لا اعوجاج فيه ولا انحراف، لا اختلاف فيه ولا تباين.

الطريق حدده النبي صلى الله عليه وسلم، وحدد مراسمه من بلغ عن ربه جل وعلا، فقال فيما ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣]، انتبهوا معي -أيها الأحباب- إلى دقة التعبير القرآني في هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:١٥٣] لو انتبهتم معي للدقة القرآنية لوجدتم أن الله في هذه الآية قد وحد الطريق وأفرده: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي} مفرد وطريق واحد، وجمع الله السبل والطرق؛ لأن الطرق المتعددة إنما هي طرق الشيطان والأهواء والضلال، وحد الله الطريق إليه وجمع السبل؛ لأن الطريق إلى الله واحد وواضح: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً} [الأنعام:١٥٣] بالإفراد، {فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:١٥٣] بالجمع؛ لأن الطرق متعددة ومتنوعة كلها بدع وأهواء وضلالات، لا صدق ولا إخلاص ولا ابتغاء لمرضاة الله عز وجل فيها، إن الطريق الذي يسلكه ويبتغي فيه القرب من الله إنما هو طريق واحد، إنما هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

ولقد ورد في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام أحمد في مسنده، والإمام النسائي في سننه، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً بيده -رسم على الأرض خطاً مستقيماً- ثم قال: هذا صراط الله مستقيماً، وخط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: وهذه سبل جلس على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها) على كل هذه الطرق المتفرقة والمتنوعة شيطان، يدعو الشيطان إلى حزبه وفكره ومنهجه ومبادئه، وصراط الله مستقيم واضح بين.

وهذا مأخوذ من قول الله جل وعلا في سورة البقرة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥٧]، لو نظرتم في هذه الآية أيضاً لوجدتم أن الله قد جمع الظلمات وأفرد النور، ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ))، جمع ظلام وجمع ظلمة، ظلمات البدع، والأهواء، والدنيا، والشياطين، والطواغيت في هذه الأرض؛ لأن الطاغوت له في كل عصر لغة، وله في كل عصر لسان، وله في كل عصر منهج، بل ألف ألف لسان، يتنوع ويتشكل بتشكل العصور والأزمان، والأماكن والأوقات.

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:٢٥٧] الله جمع الظلمات ووحد النور؛ لأن مصدر النور واحد هو الله نور السماوات والأرض، أو كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه]، أو كما قال الله جل وعلا: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥].

إذاً: الظلمات متعددة، والطرق متنوعة، ولكن طريق النور هو طريق الحق وهو طريق واحد، هو طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو طريق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من سلك هذا الطريق فقد سلك الطريق الحق إلى الله الحق، ومن شذ عن هذا الطر