(قل: آمنت بالله) أن تؤمن بالله رباً، أن تؤمن بالله إلهاً معبوداً، لا يستحق العبادة سواه، أن تؤمن بأسماء جلاله وصفات كماله، وما أحوجنا إلى أن نتعبد لله بالأسماء والصفات من جديد! فليست العبرة أن يردد كل مسلم منا الأسماء الثابتة، بل إن العبرة أن يحول المسلم مقتضى هذا الاسم في حياته إلى واقع أن يعيش معنى الرزاق، معنى الرحمن، معنى القوي، معنى القيوم، معنى المقيت، نقف على هذه المعاني.
والله -يا إخوة- ما عرفت معنى المقيت إلا منذ أيام قليلة، وقفت عند هذا الاسم، وقرأت أقوال السلف ورجعت الأصول اللغوية التي يرد إليها حقيقة هذا الاسم، ومن أعجب ما علمت عن اسم المقيت: أن من أجمل معانيه أن كل عضو من أعضاء هذا البدن -فضلاً عن الكون- له قوت، مادة (قوت) القاف والواو والتاء، فإنه تخلف عنه هذا القوت توقفت حياته كل عضو فيك له قوت، إن امتنع هذا القوت عن هذا العضو تعطل، فعينك لها قوت لتعمل طوال العمر، وقلبك ومخك، وهكذا.
يقول أحد العلماء المعاصرين: لو أردنا أن نصنع مصنعاً يقوم بما يقوم به المخ من وظائف وأعمال؛ لاحتجنا إلى مساحة الكرة الأرضية ثلاث مرات!! ليقف الإنسان مع هذه المعاني؛ ليتعرف بعدها على عظمة الله وعلى جلاله، فهو الذي يعطي الكون كله ما يحتاجه ليظل يعمل لهذا الإنسان المتمرد على الرحمن جل وعلا.
أن تؤمن بالله رباً إلهاً معبوداً لا يستحق العبادة سواه، أن تؤمن بأسماء جلاله وصفات كماله التي أثبتها لذاته في قرآنه، وأثبتها له المصطفى صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف لا للفظها ولا لمعناها، ومن غير تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلست أعلم بالله من الله، ولست أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأن تؤمن بالملائكة، وأن تعتقد أن لله ملائكة معك:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨]{كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:١١ - ١٢]{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١] وأن للجبال ملائكة، وللعرش ملائكة، وللسحاب ملائكة، وللقطر ملائكة، وللأرزاق ملائكة، فإذا ما آمن الإنسان بهذه الحقيقة استحى، وراقب هذا الملك الذي يراقبه وينتظر قولة أو فعلة ليسطرها عليه في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى.
وأن تؤمن بالكتب التي نزلها الله على أنبيائه ورسله، وأن تؤمن بالرسل:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة:٢٨٥] وأن تؤمن باليوم الآخر -وما أحوجنا لتكرار الحديث الآن عن اليوم الآخر؛ لأننا نعيش زماناً طغت فيه الماديات، وانصرف كثير من الناس عن التفكر في اليوم الآخر، وعن لقاء رب الأرض والسماوات جل وعلا، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره.