مستحيلٌ أن يحرر الأقصى جيل لم يعرف الله، وأتحدى من يقول بغير ذلك، فكيف يحرر الأقصى جيل تحدى الله، وحادَّ شرع الله، وانحرف بعيداً عن منهج الله جل وعلا؟!! فتح بيت المقدس عمر بن الخطاب الذي جاء متذللاً متضرعاً خاشعاً لله، وجاء من المدينة إلى أرض فلسطين وهو يتلو قرآن ربه جل وعلا، أما اليوم فإن الأمة قد نحت قرآن الله، وتحدت شريعة الله جل وعلا، فـ عمر فتح القدس، واستلم المفاتيح؛ لأنه جاء وقد أحنى رأسه ذلاًّ لله، وتواضعاً لله جل وعلا، جاء في ركب متواضع، على ظهر دابة واحدة مع خادمه فقط، جاء وهو يتلو كتاب الله، وهنالك في القدس قابله قائد الجيوش أبو عبيدة رضي الله عنه، وكانت الكرة لخادم عمر، فلقد كان عمر يركب على ظهر الدابة مرة وهو يقرأ سورة يس، وينزل من على ظهرها مرة ليركب الخادم وأمير المؤمنين يمشي على قدميه ويقرأ الخادم السورة مرة، ويترك الأمير والخادم الدابة مرة لتستريح، بهذه القلوب تحررت القدس، وبهذه القلوب تحرر الأقصى.
وأمام القدس المبارك وفي الأرض الطاهرة يمر عمر بن الخطاب بدابته على مخاضة -بركة ماء- فينزل الفاروق من على ظهر الدابة، فيلتفت إليه قائد الجند أبو عبيدة أمين الأمة ويقول:(يا أمير المؤمنين! والله! ما أحب أن القوم قد استشرفوك، ولا أحب أن يراك القوم وأنت على هذه الحالة).
فقال فاروق الأمة:(آهٍ يا أبا عبيدة! لو غيرك قالها؛ لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله!!) كلمات نرددها ونسمعها، ولكنها والله! ما صادفت القلوب، ولكنها والله! ما تمكنت من القلوب، لقد كنا أذل قوم، كنا رعاة للإبل والغنم فأعزنا الله، بماذا؟ بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله.
ويوم أن تحرر قلب صلاح الدين انطلق ليحرر الأقصى الكريم، قيل له: يا صلاح الدين! لماذا لم تُر مبتسماً؟ لماذا لا تبتسم؟!! فقال صلاح الدين:(والله! لن أبتسم والقدس في أيدى الصليبيين!!!) إنها القلوب التى عرفت ربها جل وعلا، وجاءت مذعنة منقادة إلى الله، فذلل الله لها الأرض، بل وأنزل الله لها الملائكة، وأنا لا أتصور أبداً أن ينزل الله الملائكة الآن لأمة نحت كتاب الله، وانحرفت في عقيدتها، ولا أتصور أن يقذف الله الرعب في قلوب أعدائها في هذه الأيام.
أيها الأخيار الكرام! كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة أمر مهم.
وقد سعدت القلوب لقرار الجامعة العربية -ومع أننا نعلم أنه كلام نظري، لكنها كلمة طيبة- حيث التقى فيها العرب على لسان رجل واحد، فأفزعت هذه الكلمة العالم كله، وزعزعت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية، وصارت تتعجب وتقول: كيف تجرأت الجامعة أن تتخذ هذا القرار؟! وهو مجرد قرار اتخذته الجامعة فقط، ومع ذلك فزعت أمريكا، وفزع العالم، فما ظنك لو أن هذه الأمة قد التقت قبل ذلك على كلمة (لا إله إلا الله) قبل أن تتوحد كلمتها، فلن تتوحد كلمتها إلا إذا التقت قلوب أبنائها على كلمة التوحيد، على كلمة (لا إله إلا الله).