لاحظ أننا لا نخرج عن القرآن ولا عن السنة، ولا نقول إلا قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم- فقوله تعالى:(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: اتخذوا العلماء والعبَّاد أرباباً من دون الله، كما روي أن عدي بن حاتم دخل على الحبيب المصطفى وهو يقرأ هذه الآية، فقال عدي:(يا رسول الله! ما عبدناهم من دون الله) أي: لم نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؛ ففسر له النبي صلى الله عليه وسلم الآية، وبين له المعنى، فقال الحبيب (ألم يحلوا لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله فأطاعوهم؟ فقال: بلى، قال المصطفى: فتلك عبادتهم إياهم).
وقد اتخذت الأمة العلماء والعبَّاد أرباباً من دون الله؛ فإن قلت: كيف ذلك؟! فنقول: إن الأمة قد تركت لهؤلاء التشريع، فشرَّع هؤلاء للأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ إذ عرض على أعضاء مجلس الشعب لأبناء هذه الأمة تشريع الله جل وعلا في قوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢] الآيات، فأبى الأعضاء الموقرون وقالوا: لا، لا يتفق هذا التشريع الآن مع مدنية القرن العشرين! إذاً: ما تريدون؟! قالوا: إذا تم الزنا بالتراضي بين الرجل والمرأة يخفف الحكم إلى أقل درجة، فإذا جاء ولي المرأة الزانية وتنازل عن القضية لا يسجن الزاني ولا تسجن الزانية حتى ساعة واحدة، بل تسقط القضية!! وتقرأ الأمة في سورة البقرة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة:١٨٣] فتسمع الأمة لهذا الأمر الرباني، وفي السورة ذاتها يقول ربنا جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}[البقرة:١٧٨] فتقول طائفة من الأمة: لا، لن نقبل هذا الأمر أبداً! وتقرأ الأمة في سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[المائدة:٦] فتسمع الأمة لهذا الأمر وتتوضأ قبل الصلاة، وفي السورة ذاتها يقول الله جل وعلا:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:٤٤] وقوله: (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧] وقوله: (فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥] فتقول طائفة من الأمة: لا، لا نريد هذا الأمر؟! فنقول: كلا! كلا! قال ربنا جل وعلا: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة:٨٥].
فهل كفرت بالأرباب من دون الله جل وعلا؟! وهل كفرت بالآلهة المكذوبة المدعاة؟! قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[الحج:٦٢] فهل صرفت العبادة لله وحده؟ وهل امتثلت أمر الله؟