وهذه أم موسى، هل سمعتم في الدنيا كلها أنه يقال لأم: إن خفت على ولدك فارميه في البحر! ما هذا؟! قال الله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ}[القصص:٧]، أي: فإذا خفت عليه فارميه في البحر، {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}[القصص:٧]، تدبر لفظة (إنا){إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧].
وذلك أن فرعون كان يبحث عن الأولاد ويقتلهم؛ لأنه كان يعلم أن ملكه سيزول على يد أحدهم، فألقت الأم المتوكلة رضيعها في اليم وكان في تابوت، ويتهادى التابوت حتى يصل إلى قصر فرعون، ويقف التابوت، ويستخرج جند فرعون التابوت من أمام القصر الفرعوني.
يا إلهي! إنه طفل، إنه هو الذي يبحث عنه فرعون بعينه، ولكن الله نجاه لا بالطائرات ولا بالدبابات، وإنما بستر رقيق لا يخطر لأحد على بال، ألا وهو ستر المحبة، فقذف الله حب موسى في قلب امرأة فرعون بمجرد أن نظرت إليه، فقالت:{قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ}[القصص:٩]، والأوامر في القصور في الغالب للنساء، إذاً: لا يقتل.
وأتوا بالمراضع لموسى، كلما قدموا إليه مرضعة أبى هذا الطفل المبارك أن يلتقم ثديها؛ لأن الله قد وعد أم موسى أن يرد موسى إليها، فجيء بأم موسى لتدخل قصر فرعون لتحتضن موسى ولتضم رضيعها إلى صدرها، وفرعون يجلس إلى جوارها ويأمرها أن ترضعه.
أخي الكريم! أم موسى كانت بالأمس القريب تخشى على موسى من فرعون وملئه، وهي الآن ترضع موسى في قصر فرعون بأمره، إنه التوكل.