للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بطلان الزواج العرفي عرفاً

هل يقر عرف الناس هذا الزنا؟!

الجواب

لا ورب الكعبة، بل العرف يبطله، وهذا هو المحور الثاني، فالعرف عند علماء الأصول: هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم ومعاملاتهم، وقد يكون هذا العرف معتبراً شرعاً، وقد لا يكون معتبراً شرعاً، بمعنى: أن الشرع المطهر قد يقر عرفاً، وقد يبطل عرفاً آخر، ومن ثم فالعرف المعتبر شرعاً: هو الذي لا يخالف نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة.

وعلى هذا التأصيل، فإن الناس لم يعرفوا أبداً هذا الزواج العرفي المزعوم، ولم يعتادوا في تزويجهم لأبنائهم وبناتهم على هذه الصورة الخبيثة، والعلاقة المحرمة التي تتم في السرية والظلام والخفاء، والتي تقوم على النفاق والغش والخداع والخيانة بين شاب وفتاة، بين شاب مستهتر خان أهله ومجتمعه بعد أن خان الله ورسوله، وفتاة مستهترة خانت أهلها ومجتمعها بعد أن خانت الله ورسوله، وإن توهم أحدهم وخادع نفسه، وظن أنه متزوج بالحلال، وأن ذلك هو عرف الناس اليوم، فأنا أسأله وأرجو أن يصدق في الجواب: لماذا أخفيت هذا الزواج عن أقرب الناس إليك إن كنت تعلم أنه زواج شرعي صحيح؟ لماذا أخفيته عن أهلك الذين لا زالوا ينتظرون اللحظة التي ستتخرج فيها من الجامعة؛ ليفرحوا بك وأنت مع زوجتك في الحلال الطيب؟ ثم ألا تشعر بالخيانة والنفاق والخداع وأنت تأخذ المصروف في الصباح من والدك، وتذهب بعد ذلك من الجامعة إلى شقة مفروشة أو إلى غرفة مظلمة لتزني بفتاة بدعوى الزواج؟! ثم لماذا تتلصص وتبحث عن مكان خفي لا يراك فيه أحد من الناس لتقضي وقتاً في الرذيلة والحرام مع فتاة تدعي أنها زوجتك؟ ثم هل تقبل أن يأخذ شاب من زملائك في الجامعة أختك أنت إلى نفس الشقة المفروشة ليزني بها بدعوى أنها زوجته؟ ثم هل تقبل بعد ذلك أن تخرج ابنتك إلى الجامعة؛ لترجع إليك بحمل في بطنها بدعوى أنها متزوجة، وأنت لا تعلم عن هذا الأمر شيئاً؟! أخي! أجبني بصدق وتذكر قول القائل: يا هاتكاً حرم الرجال وتابعاً طرق الفساد فأنت غير مكرم من يزني في قوم بألفي درهم في قومه يزنى بربع الدرهم إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم ثم لا تنسى أبداً قول الله تعالى: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:١٤ - ١٥]، وردد كثيراً قول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

وأنت أيتها الفتاة الجريئة! يا من وضعت رأس والدك في الوحل والطين والتراب إلى الأبد، يا من وضعت شرف العائلة بأسرها في الوحل والطين والتراب إلى الأبد، يا من ضيعت أطهر وأشرف وأغلى ما تعتز به كل فتاة طاهرة شريفة، يا من دنست طهرك بأوحال الرذيلة والعار؛ لا تخدعي نفسك بأنك متزوجة في الحلال الطيب، وإن كنت لا زلت تتوهمين وتظنين ذلك، وتدعين أنك أيضاً متزوجة في الحلال، وأن هذا هو عرف الناس اليوم؛ فأنا أسألك وأرجو أن تصدقي في الجواب: هل يعقل أن تتزوج فتاة طاهرة شريفة في السر والظلام بدون علم والدها المسكين، وبدون علم أمها التي سهرت وربت، بل وهي لا زالت إلى الآن تتضرع إلى الله أن يرزقك بالزوج الصالح، وهي مسكينة لا تدري أنك متزوجة؟! ثم ألا تشعرين بالخيانة والنفاق والخداع وأنت ذاهبة في الصباح إلى الجامعة أمام الأهل والأسرة، ومنها إلى شقة مفروشة أو غرفة مظلمة بين أحضان شاب في الحرام؟ يا للعار!!! يا للخيانة!!! يا للخداع!!! وبعد ذلك تكذبين وتزعمين وتتوهمين أن هذا هو عرف الناس اليوم!!! لا والله، بل العرف يبطله، بل وكذلك شرع الله يبطله، وهذا هو المحور الثالث.