(دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) شعار يدندن حوله الآن العلمانيون في كل مناسبة أو بدون مناسبة، ويستدل بعضهم بقول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}[المائدة:١٠٥]، ولقد خشي الصديق هذه السلبية المدمرة يوماً فارتقى المنبر وقال: أيها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه) وفي لفظ: (إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب من عنده) والحديث رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والترمذي في السنن، وحسنه الحافظ ابن حجر، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
أيها الأحبة الكرام! لابد أن نعلم أن وجود المصلحين سبب من أسباب النجاة للأمة بأسرها، وسبب من أسباب عدم الإهلاك العام للأمة، فلابد أن توجد هذه الفئة الصالحة في نفسها المصلحة لغيرها، التي لا تترك الواقعين في حدود الله ينخرون بمعاول من الذنوب والمعاصي في هذه السفينة حتى تغرق بالجميع، وإن كان فيها الصالحون.
إن هذه الفئة إن تخلت عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلت عن الأخذ على أيدي السفهاء الساقطين في حدود الله جل وعلا، أوشك أن يعمنا الله جميعاً بعقاب من عنده، كما ثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها:(أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوماً فزعاً -وفي لفظ: استيقظ فزعاً- وهو يقول: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعيه: السبابة والإبهام، ثم قالت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! فقال المصطفى: نعم.
إذا كثر الخبث).
قال صلى الله عليه وسلم:(نعم.
إذا كثر الخبث).
وأنا أقسم بالله إن الخبث قد كثر!! ولذا نرى الإمام مالكاً يبوِّب باباً في موطِّئه بعنوان (باب ما جاء في تعذيب الله للعامة بعمل الخاصة)، فإن الله يعذب العامة بعمل الخاصة؛ وذلك إذا لم يأخذ المصلحون على أيدي السفهاء الواقعين في حدود الله عز وجل.
بل لقد ورد في مسند أحمد، وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، وصحح الحديث الشيخ الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ولا يغيروه ولا ينكروه، وهم قادرون على ذلك)، فحينئذ يعذب الله العامة والخاصة.
هذه مقدمة -أيها الأحبة- أردت أن أدخل بها للعناصر المتبقية في هذا الموضوع، فنحن جميعاً كما ذكرت ركاب سفينة واحدة إن نجت هذه السفينة نجونا جميعاً، وإن هلكت هذه السفينة هلكنا جميعاً، فلابد من وجود الفئة المصلحة التي تغير المنكر بأي مرتبة من مراتب التغيير أو بمراتب الإنكار.