يوم البعث خطره عظيم، وهو بعد مرحلة الصعق، وبعد نفخة الصعق أي: الموت، ولا بأس على الإطلاق أن نكرر ونذكر بهذا الكلام، فإننا في أمس الحاجة إلى أن نتذكره دائماً، لأن إسرافيل ينفخ في الصور ثلاث مرات، وهذا هو الصحيح: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، فنفخة الفزع يفزع بعدها كل من في السماوات وكل من في الأرض إلا من شاء الله، ثم تأتي نفخة الصعق- أي: الموت- فيموت بعدها كل حي على ظهر هذه الأرض، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ}[الزمر:٦٨] أي: فمات {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[الزمر:٦٨] وقلنا: إن الاستثناء هنا لجبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش.
ويأتي ملك الموت إلى الله بعدما مات الملوك، ومات الحكام، ومات الرؤساء، ومات الجبابرة، ومات كل مخلوق، فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟ فيقول ملك الموت: يا رب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، فيقول الله لملك الموت: ليمت جبريل -اللام لام الأمر، لام العظمة، لام الكبرياء، لام الإرادة، لام من يقول للشيء كن فيكون- فيموت جبريل، ليمت ميكائيل، فيموت ميكائيل.
فيأتي ملك الموت إلى الملك فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: يا رب! مات جبريل ومات ميكائيل، فيقول الله تبارك وتعالى: ليمت حملة العرش، فحملة العرش الذين يحملون عرش الله يموتون، إذاً: بعد موتهم من الذي يحمل عرش الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزهاً عن الحلول والاستقرار، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته؛ الكل محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته.
ليمت حملة العرش، فيموتون، فيأتي ملك الموت، فيقول الله له: من بقي؟ فيقول: يا رب بقي إسرافيل الذي ينفخ الصور، والصور هو البوق، فيأمر الله الصور فينتقل من إسرافيل، ويقول: ليمت إسرافيل، فيموت إسرافيل، ويبقى ملك الموت، فيأتي ملك الموت إلى ملك الملوك، فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقي من خلقي؟ فيقول: يارب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي عبدك الذليل الضعيف الماثل بين يديك، فيقول الله جل وعلا لملك الموت: يا ملك الموت أنت خلق من خلقي، وخلقت لما ترى، فمت يا ملك الموت، فيموت ملك الموت.
مات الجميع، مات جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، إذاً: من الباقي؟ وهنا يقبض الله الدنيا ويبسطها ثلاث مرات، ويهتف بصوته ويجيب، فما من سائل يومها ولا مجيب إلا الله، فينادي ويهتف بصوته ويقول: أنا الجبار أنا الجبار أنا الجبار {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}[غافر:١٦] ثلاث مرات؟ فلا يجيبه أحد؛ لأنه لا أحد، فيقول بذاته بلغة العظمة والكبرياء: الملك اليوم لله الواحد القهار.
كان آخراً كما كان أولاً، أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء، هو الأول، وهو الآخر، وهو الظاهر، وهو الباطن، وهو بكل شيء عليم.