وبعد ستة أشهر فقط من الخروج من هذا المأزق الحرج، يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفجيعة مؤلمة، فيموت عمه أبو طالب الذي كان بلا منازع حصناً حصيناً تتحطم عليه رماح المشركين وسهامهم، والذي كان بلا منازع من أول الناس دفعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالرغم من ذلك يموت أبو طالب على دين قومه، ويتنزل فيه قول ربه جل وعلا لحبيبه صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص:٥٦].
وبعد شهرين أو ثلاثة من وقوع هذه الفاجعة يصاب النبي صلى الله عليه وسلم بفاجعة تفتت الكبد وتمزق القلب، أتدرون ما هي؟ إنها موت زوجته خديجة، ماتت صاحبة القلب الكبير، لا إله إلا الله رحماك رحماك يا الله! مات أبو طالب وماتت خديجة رضي الله عنها بعد شهرين أو ثلاثة، ماتت التي كانت تضم النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدرها؛ لترفع عنه الهم والغم، ولتخفف عنه البلاء، ولتضمد جراحه بأسلوبها العذب الرقيق، ماتت خديجة وعصر الألم قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه سمى هذا العام العاشر الذي مات فيه أبو طالب وخديجة، سماه النبي صلى الله عليه وسلم: بعام الحزن، إي والله إنه لعام حزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.