[الطريق إلى الجنة]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! بقي أن نتعرف عن الطريق الموصل إلى الجنة، وأستطيع أن أضع بين أيديكم علامات ضوئية على هذا الطريق العظيم: أولاً: الإيمان بالله جل وعلا، فلا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة زكية، قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].
وقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر:٧٣].
وقال: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٢٥].
ثانياً: العمل الصالح، فالعمل الصالح قرين الإيمان، لا ينفك ولا يخرج العمل أبداً عن حقيقة الإيمان، فالإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، كما فصلنا ذلك في شرحنا لصحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
ثالثاً: من العلامات الضوئية على طريق الجنة: بناء المساجد، ففي صحيح البخاري من حديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة).
وفي رواية أحمد: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله ولو كمفحص قطاة -أي: ولو كان هذا المسجد بمقدار عش الطائر- بنى الله له بيتاً في الجنة).
رابعاً: من أعظم الطرق التي توصل إلى الجنة: الجهاد، أسأل الله أن يرفع علم الجهاد، وأن يقمع أهل الزيغ والفساد.
فالجهاد طريق إلى الجنة بلا نزاع، والأحاديث في ذلك كثيرة جداً، والجهاد ليس طريقاً إلى الجنة فحسب، بل إن الجهاد هو الطريق الوحيد بعد الإيمان والعمل الصالح لسعادة وكرامة الأمة وشرفها؛ فإنها تهان الآن أبلغ إهانة على أيدي كلاب الأرض من اليهود، فلا عز للأمة إلا إن صححت عقيدتها، وآمنت بربها، ورفعت راية الجهاد في سبيل الله جل وعلا، أسأل الله أن يرفع علم الجهاد، وأن يرزقنا جميعاً الشهادة في سبيله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
للشهيد عند الله درجة عالية، ومنازل عظيمة، ويكفي أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر بأن للشهيد عند الله من النعيم أن يزوجه الله سبحانه وتعالى باثنتين وسبعين زوجة من الحور العين.
خامساً: من العلامات أيضاً -وهي ميسرة للجميع للجاهل وللعالم، للأمي ولغير الأمي، للرجل وللمرأة- على طريق للجنة: ذكر الله وتسبيحه.
روى الترمذي في سننه بسند حسنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقيت ليلة أسري بي إبراهيم عليه السلام، فقال إبراهيم للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! اقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر).
فهذا غراس الجنة، فاغرس لنفسك في الجنة، وذلك بقول: سبحانه الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذا غراس الجنة فأكثر منه.
سادساً: النوافل، وهذا أيضاً أمر يستطيعه كل مسلم ومسلمة، ففي صحيح مسلم من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى لله ثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة بنى الله له بيتاً في الجنة)، وفي لفظ لـ أم حبيبة أيضاً: (أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة)، أي: قبل صلاة الصبح.
فيا أيها الأحبة! إيمان بالله، واتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، وجهاد في سبيله، وصبر على الشهوات، ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء، وسير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وحتماً ستلقى في نهاية هذا الطريق حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم منتظرك على الحوض؛ ليسقيك بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا تظمأ بعدها أبداً.
اللهم اجعلنا من أهل الجنان، اللهم نجنا من النيران، اللهم برحمتك وفضلك اجعلنا من أهل الجنة يا رحمان! اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رحمان! اللهم تجاوز عن أخطائنا وزلاتنا وذنوبنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم ائذن في تحرير الأقصى برحمتك يا رحيم يا رحمان! اللهم عليك باليهود وأعوان اليهود وأتباع اليهود، اللهم شتت شملهم، اللهم مزق صفهم، اللهم أرنا فيهم يوماً كيوم عاد وثمود، اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، وضعف الموحدين، وإجرام المنافقين.
اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا برحمتك يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل بلدنا مصر واحة للأمن والأمان، اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان وسائر بلاد الإسلام.
اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين، برحمتك يا أرحم الراحمين! أحبتي الكرام! هذا وما كان من توفيق في هذه السلسلة بطولها فمن الله جل وعلا وحده لا شريك له، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان في هذه السلسلة بطولها فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ بالله أن أذكركم بمثل هذا كله وأنساه.
وأرجو من جميع إخواننا أن يعضوا بالنواجذ على أشرطة هذه السلسلة الكريمة، فأنا أعتقد الآن اعتقاداً جازماً بأن الأمة بكل طوائفها بحكامها وعلمائها ورجالها ونسائها وأطفالها في أمس الحاجة في هذا العصر الذي طغت فيه الماديات والشهوات إلى أن تسمع هذه السلسلة مرات ومرات ومرات.
فأرجو من إخواننا أهل الفضل وأهل المال ممن منّ الله عليهم أن يتبنى كل غني سلسلة الدار الآخرة، وأن ينسخها في أشرطة، وأن يقوم بتوزيعها على السائقين، وعلى السيارات والمركبات، وعلى السيارات الكبيرة، وعلى المسئولين، وفي البيوت، وفي الجامعات وفي المدارس؛ فإننا الآن في عصر طغت فيه الشهوات طغياناً رهيباً، ونحتاج إلى من يجدد الإيمان في قلوبنا، وإلى من يذكرنا بكلام ربنا ونبينا، وبهذا اليوم الذي سنقف فيه بين يدي الله جل وعلا للسؤال عن الكثير وعن القليل {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].
وانطلاقاً من اعتقادنا أن الإسلام دين ودنيا، فإنني أعتقد أننا الآن في أمس الحاجة إلى أن نتعلم أخلاق الإسلام في معاملات الدنيا، ومن ثَّم فسأبدأ بإذن الله تعالى سلسلة منهجية جديدة أخرى، ابتداء من الشهر القادم إن قدر الله لنا البقاء واللقاء، والتي سوف تكون بعنوان: حقوق يجب أن تعرف.
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته، وألا يجعل حظنا من ديننا قولنا.