أيها الشباب! أيها الأحباب! إن من يكلف عقله أن يصل إلى حدود قدرة الله جل وعلا كمن يكلف نملة أن تنقل جبلاً من مكان إلى آخر، أو كمن يكلف بعيراً ضخماً أن ينفذ من سم الخياط، وهذا مستحيل! إن قدرة الله لا تحدها حدود، {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ}[مريم:٢١] وإذا قال ربك فلا حدود لقدرة الملك جل وعلا، لأن أمر الله بين الكاف والنون، يقول للشيء إذا أراده كن فيكون، ما أحوجنا إلى أن نتعبد لله الآن باسم القدير، باسم القوي، باسم الملك! لأن الأمة قد ضعف يقينها، وضعفت عقيدتها، وتخلخل اليقين في قلبها، فيجب علينا أن نتعبد من جديد لله باسم القدير.
إن قدرة الله وقوة الله لا تحدها حدود، فيد من التي خلقت السماء بغير عمد ترونها؟! يد من التي خلقت الأرض وثبتتها بالجبال، وزينتها بالأشجار، وشقت فيها البحار والأنهار؟! يد من التي امتدت إلى حبة القمح فغلفتها بهذه الأغلفة، وجعلت في نهاية كل حبة شوكة طويلة؛ لأنه قد قدر أن تكون حبة القمح غذاء لك أيها الإنسان؟! يد من التي امتدت إلى كوز الذرة فأخرجت هذه الحبات اللؤلؤية بهذا الجمال والإتقان والإبداع؟! يد من التي امتدت إلى رأسك أيها الإنسان فجعلت ماء العين مالحا، وماء الأنف حامضاً، وماء الأذن مرّاً، وماء الفم حلواً وعذباً؟! مع أن أصل هذه المياه واحد، وهو رأسك أيها الإنسان؟! يد من التي نجت الخليل إبراهيم من النيران؟! يد من التي حفظت يوسف من غيابات الجب؟! يد من التي نجت يونس في بطن الحوت؟! يد من التي نجت الحبيب المصطفى ليلة الهجرة! {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الحشر:٢٢ - ٢٤].
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه من أرداك قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك قل للصحيح يموت لا من علة من المنايا يا صحيح دهاك قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواك بل سائل الأعمى خطا وسط الزحا م بلا اصطدام من يقود خطاك وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة ما الذي أبكاك وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاك واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاك {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}[مريم:٢١] هو على قدرة الله هين، فقدرة الله لا تحدها حدود، {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}[مريم:٢١].
قال تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[التحريم:١٢]، لا تسأل عن كيفية الحمل، والعلم الحديث الآن يبين لنا صوراً عجيبة، فهم يستطيعون بالحيوان المنوي للزوج وبويضة المرأة أن يجمعوهما، فإذا شاء الله عز وجل تخصبت فكان الولد، سبحان الله!، لا تسأل عن كيفية الحمل وأنت على يقين أن الله إذا أراد شيئاً كان.
نفخ جبريل عليه السلام في درعها، والدرع هو أعلى الثوب، فحملت مريم عليها السلام، والراجح من أقوال المفسرين: أن مريم حملت بعيسى حملاً عادياً تسعة أشهر، وإن كنا لا نشك أن الله كان قادراً ولا زال سبحانه على أن تحمل مريم بعيسى وأن تضعه في لحظة واحدة، لكن الراجح من أقوال المحققين من أهل التفسير: أنها حملت به حملاً عادياً تسعة أشهر.