[الإسلام يأخذ على يد المفسد]
الإسلام يحرص على أن يهيئ المناخ الصالح لكى يتنفس الفرد المسلم في جو اجتماعي طاهر نظيف، ثم يعاقب الإسلام بعد ذلك -وبمنتهى الصرامة والشدة- كل فرد ترك هذا الجو النظيف الطاهر النقي وراح ليتمرغ في وحل الجريمة الآثم طائعاً مختاراً غير مضطر، لا يرخي الإسلام العنان لكل أحد لينطلق ليعيث في الأرض فساداً، فينتهك الحرمات، ويتعدى على أعراض النساء المؤمنات، ويروع البيوت الآمنة المطمئنة، لا يرخي الإسلام العنان للفرد ليفعل هذا كله، وإنما إذا لم تجدِ في الفرد التربية ولم تؤثر فيه الموعظة ولم يلتفت الفرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله وإلى كرامة أبناء المجتمع الذي يعيش بينهم، إذا لم يراع المسلم أو الفرد كل هذا، وانطلق لينتهك العرض والحرمة فإن الإسلام يأخذ على يديه بمنتهى الصرامة والشدة؛ لتعيش الجماعة كلها آمنة هادئة مطمئنة، وهذه هي الرحمة في أسمى معانيها.
أرأيتم لو أن إنساناً من الناس أصيب بمرض السرطان - أعاذنا الله منه وإياكم- في طرف من أطرافه، وقرر الأطباء المتخصصون أنه لابد من بتر هذا الطرف حتى لا يسري المرض في جميع أجزاء الجسم، هل يأتي عاقل ويقول: لا؛ إنها وحشية، إنها بربرية، إنها غلظة وقسوة، لا تقطعوا هذا الطرف؟ لا والله، وإنما سيأتي أقرب الناس إلى المريض، وسيأتي أحب الناس إليه وينصحه ويشجعه على قطع ذلك الطرف، ويقول له: أسأل الله لك التوفيق، وأسأل الله لك الثبات مع أنه يعلم أنه ذاهب إلى غرفة العمليات ليقطع طرفاً عزيزاً لديه وحبيباً عنده، لكنه يعلم أن بتر هذا الطرف سيضمن الحياة -بإذن الله جل وعلا- لبقية الأطراف، إنها الرحمة بعينها.
كذا -الفرد أيها الأحبة! - إذا لم تؤثر فيه تربية ولم تؤثر فيه موعظة ولم يراع حرمة مجتمع يعيش فيه وانطلق ليعيث في الأرض فساداً بانتهاك الحرمات والأعراض فإن الإسلام يأخذ على يديه بمنتهى الشدة والصرامة؛ ليزول الفرد العفن السرطاني، ولتبقى الجماعة كلها هادئة آمنة مطمئنة، ومن ثم جعل الإسلام أبشع جريمة على ظهر هذه الأرض بعد الشرك بالله وقتل النفس الزنا، فقال سبحانه في سياق صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:٦٨] فجاء به بعد الشرك والقتل مباشرة {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان:٦٨ - ٧١].
نعم -أيها الأحبة الكرام! - إن المرأة -والعياذ بالله- إذا زنت وضعت رأس زوجها، بل ورؤوس أهلها في الوحل والطين والتراب، فإذا خافت المرأة الفضيحة والعار وكانت متزوجة أو كانت بكراً قتلت ولدها من الزنا فوقعت في كبيرتين: كبيرة الزنا وكبيرة القتل والعياذ بالله.
وإذا كانت المرأة متزوجة وخانت زوجها الذي انطلق بعيداً ليأتيها بالطعام والشراب ولينفق عليها من المال الحلال الطيب فقد خانت هذا الزوج المسكين، وحملت من الزنا وأبقت على ولدها من الزنا، ونسبت هذا الولد لزوجها المسكين المخدوع، وأدخلت هذه المرأة الخائنة على بيتها ولداً أجنبياً عنهم، فعاش بينهم وهو أجنبي عنهم، وخلا ببناتهم ولا يحق له ذلك، بل وورث أموالهم بعد موت المورث وليس له حق في ذلك، وهكذا -ولا حول ولا قوة إلا بالله- تهدم البيوت، وتدفن الفضيلة، وتنهار المجتمعات.
وإذا زنى الرجل اختلطت الأنساب، وتأججت نار الأحقاد في القلوب، وانطلق هذا الذي زني بأهله أو ببنته أو بزوجته أو بأمه وقد نكس رأسه في الوحل والطين والتراب، هذا إن ترك الزاني يمشي أمام عينيه وبين يديه ولم يفكر في قتله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنه الانحراف عن دين الله، إنه الانحراف عن منهج الله، إنه التحدي لشريعة الله جل وعلا، ووالله ستدور الأمة في هذه المتاهات العفنة الآسنة ما دامت الأمة قد تحدت شريعة الله، وما دامت الأمة قد نَحَّت شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٧٩]، ولكن العلمانيين القذرين يقولون: ولكم في القصاص وحشية وبربرية، دعوكم من هذه القوانين الجامدة، إن هذه الحدود إنما أنزلت لأناس كانوا يعيشون في أرض الجزيرة كانوا يتَّسمون بالغلظة والقسوة والفظاظة، وكانوا يركبون الناقة والحمار، ولكننا الآن نعيش عصر الحضارة وعصر المدنية وعصر التطور، عصر الصاروخ والقنبلة النووية، فدعوكم من هذه القوانين البربرية الوحشية، وتعالوا بنا لنقنن لأنفسنا من دون الله.
يقول الله جل وعلا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠]، ويأبى العلمانيون إلا أن يقولوا: إن الحكم إلا لمجلس الشعب، الله جل وعلا يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠] ويأبى العلمانيون إلا أن يقولوا: إن الحكم إلا للبيت الأبيض، أو للبيت الأحمر أو للبيت الأسود فوقعت الأمة في الضنك والشقاء، ولن تخرج من هذا البلاء وهذا المستنقع الآسن إلا إذا نفضت عن كاهلها غبار هذه القوانين الوضعية الفاجرة الكافرة وعادت من جديد إلى كتاب ربها وسنة الحبيب نبيها صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها المسلمون! أيها الآباء! أيتها الأمهات! أيها الشباب! أيتها البنات! والله الذي لا إله غيره ما شرع الإسلام ما شرع إلا لتبقى المرأة المسلمة درة مصونة ولؤلؤة مكنونة لا يمسها إلا زوجها، ولا تنظر إليها عين زانية، حفظ الإسلام كرامتها، وأمرها بالحجاب، وأمر الرجل بغض البصر، وأمر الرجال والنساء بتخفيف مئونة الزواج، ووضع من الضمانات الوقائية ما يضمن به أن يعيش الرجل والمرأة في ظل مجتمع نظيف طاهر نقي، ثم بعد ذلك يعاقب من ترك هذه الضمانات الوقائية العظيمة وذهب ليتمرغ في أوحال المعصية طائعاً مختاراً غير مضطر.