للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عزة الأمة بتحقيق توحيد الله]

يا من رددت بلسانك: لا إله إلا الله! هل صدق قلبك وامتثلت جوارحك مقتضيات هذه الشهادة, فإن التوحيد أمره عظيم, إن شأن التوحيد عظيم وثقيل, إنها الأمانة العظيمة، ووالله ما ضاعت الأمة وذلت إلا يوم أن فرغت محتوى لا إله إلا الله من مضمونها كله, فإن الجذر الحقيقي لهذه الأمة هو التوحيد, ويوم أن فرغ الجذر وأصبح قشرة هشة تحركها الرياح من هنا ومن هنالك ذلت الأمة ممن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير من أبناء يهود, فإن مصدر سعادة الأمة هو التوحيد, ما أعز الله الأمة إلا بالتوحيد، وإن لبنة الأساس في صرح الإسلام هي التوحيد, وإن أول خطوة على طريق العز والكرامة هي التوحيد، ولا عزة للأمة إلا إذا حققت وأخلصت وجردت التوحيد لله من جديد, فمن أبناء الأمة الآن من يذبح، ومن يقدم النذر لغير الله, ومن أبناء الأمة الآن من يتهم شريعة الله المطهرة بالجمود والرجعية والتخلف والتأخر وعدم قدرة هذه الشريعة على مسايرة مدنية القرن الحادي والعشرين.

فلا كرامة للأمة إلا إذا أخلصت التوحيد, فأسعد الناس بشفاعة محرر العبيد من أخلص التوحيد للعزيز الحميد جل وعلا, من مات لا يشرك بالله شيئاً.

فوحد الله -أيها الحبيب- وأخلص التوحيد لله, وأخلص الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه مسلم والترمذي واللفظ للترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي, يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي, يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) , إنه التوحيد وفضل الإيمان بالله جل وعلا.

فأسعد الناس بشفاعة المصطفى من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.

أيها الأخيار! فكلمة التوحيد قد قُيدت بشروط ثقال: بالعلم واليقين والإخلاص والقبول والمحبة إلى آخر هذه الشروط التي فصلناها في دروس الاعتقاد قبل ذلك.

فلا بد أن تحققوا وتخلصوا وتجردوا التوحيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع يوم القيامة إلا إن أَذن الله عز وجل له، ولا يشفع إلا لمن وحد الله وأخلص له كلمة لا إله إلا الله.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل التوحيد, وأن يختم لي ولكم بالتوحيد, وأن يرزقنا شفاعة النبي بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير.

بقي لنا أن نتحدث عن مجيء الرب جل وعلا، ولكن أرى الوقت قد أزف وسرقنا، لذا سأرجئ الحديث عن هذا العنصر الهام إلى اللقاء المقبل إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء.

وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني ومنكم جميعاً صالح الأعمال, اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض, اللهم ارزقنا شفاعة حبيبك المصطفى, اللهم وكما آمنا به ولم نره لا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله, اللهم وأوردنا حوضه الأصفى, واسقنا من حوضه شربة هنيئة مريئة لا نرد ولا نظمأ بعدها أبداً, اللهم لا تحرمنا شفاعة الحبيب, اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته, ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته, ولا ميتاً لنا إلا رحمته, ولا عاصياً إلا هديته, ولا طائعاً إلا زدته وثبته, ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.

اللهم إنا نسألك لإخواننا وأبنائنا الطلاب التوفيق والسداد, اللهم يسر لهم الأسباب, اللهم ذلل لهم الصعاب, اللهم فَتِّح لهم الأبواب, اللهم ذكرهم في الامتحانات ما نسوا, وعلمهم في الامتحانات ما جهلوا, اللهم يسر لهم بمنك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم اجعل أبناءنا قرة عين لنا في الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده, وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان, والله ورسوله منه براء, وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.