أحبتي في الله! النبي القدوة صلى الله عليه وسلم، هذا هو عنوان محاضرتنا مع حضراتكم في هذه الليلة الطيبة، ودعونا ندع اللقاء مفتوحاً دون تقييد أو تحديد؛ لأن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جميل رقيق رقراق طويل لا حد لمنتهاه.
أيها الأحبة! إذا كان الوقوف على الماضي لمجرد البكاء والنحيب والعويل فهذا شأن الفارغين العاطلين، وازدراء الماضي بكل ما فيه من خير ونور شأن الحاقدين الجاهلين، ولقد حاول أعداء الأمة بكل سبيل أن يضعوا بين الأمة وبين هذا الماضي المجيد المشرق الوضيء الطاهر الحواجز والموانع والسدود، حتى لا تستمد الأمة من هذا الماضي نوراً يضيء لها الطريق، ودماء زكية لتتدفق في عروق مستقبلها وأجيالها، مع أن كل أمم الأرض تفخر بماضيها وتفخر برجالها، وتفخر بأبنائها، وأولى أمم الأرض بهذا الاعتزاز والفخار بجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار هي أمة نبينا المختار، قال جل وعلا:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠]، فلا ينبغي أبداً -مع هذا الواقع النازف- أن نجرد الأمة من خيريتها، ولا ينبغي أبداً -مع حالة الضعف التي تعتري الأمة الآن- أن نسلب الأمة مكانتها التي أرادها لها ربها تبارك وتعالى، فشتان بين الإيمان والكفر! وشتان بين الطاعة والمعصية، قال تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[القلم:٣٥ - ٣٦]، وقال تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:١٨]، قال تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص:٢٨].
أين الثرى من الثريا؟ وأين الأرض من كواكب الجوزاء؟ وأين الحق من الباطل؟ وأين الليل من النهار؟ لا يلتقيان أبداً.
هذه الأمة هي أولى أمم الأرض بالاعتزاز والفخار، فلقد أنجبت الأمة على طول تاريخها رجالاً سيظل التاريخ يقف أمام سِيرَهِمْ وقفة إعزاز وإجلال وإكبار، وعلى رأس هذه الأمة قدوتنا الأعظم وأسوتنا ومعلمنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين، وهو الأسوة والقدوة والمثل الأعلى، وما أحوج الأمة الآن إلى هذه القدوة وإلى هذا المثل الأعلى لاسيما ونحن نعيش زماناً قَلَّتْ فيه القدوة من ناحية وقدم فيه كثير من التافهين ليكونوا القدوة من ناحية أخرى.