للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آية النور]

الدليل الثالث هو: الآية الحادية والثلاثون من سورة النور، وهي قول الله جل وعلا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١] يستدل العلماء من هذه الآية بثلاثة مواضع: الموضع الأول: قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] أي: إلا ما ظهر منها بغير قصد وعمد، بل وهي مضطرة لإظهاره رغماً عنها، وهو ظاهر الثياب، فإن الثياب على بدن المرأة زينة.

وحتى لا نتهم بأننا نتعسف في لي أعناق الآيات لياً، فتعالوا بنا إلى صحابي جليل، علم من أعلام الصحابة في فهم كتاب الله جل وعلا، ما من آية نزلت إلا وهو يعلم متى نزلت وأين نزلت وفيما نزلت، إنه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ماذا قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية؟ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] قال: الثياب، أي: زينة المرأة: الظاهرة الثياب، والإسناد إليه صحيح.

أما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١]: الوجه والكفان، فإسناده إلى ابن عباس لا يصح بحال، كما معروف لعلماء الحديث وعلماء التخريج، فإنه مروي عن ابن عباس من طريقين: الطريق الأول: رواه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري.

والطريق الثاني: أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبرى.

فتعالوا بنا لنقف مع هذين الإسنادين لنتعرف على صحتهما من عدمها، حتى يتضح لنا أن هذا القول لا يصح إسناده بحال إلى ابن عباس رضي الله عنهما.

أما الطريق الأول -وهو الذي أخرجه الإمام ابن جرير الطبري في التفسير- فلا يصح بحال، وإسناد ضعيف جداً، بل هو منكر؛ لأن في سنده مسلم الملائي الكوفي، قال فيه البخاري: تكلموا فيه، وقال فيه الحافظ الذهبي: ضعفوه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الحافظ الذهبي: متروك الحديث.

إذاً: الإسناد بهذا الطريق لا يصح بحال كما هو معلوم لكل علماء الحديث.

أما الإسناد الآخر الذي أخرجه الإمام البيهقي: فهو ضعيف جداً أيضاً؛ لضعف راويين من رجال سند هذا الطريق: الرجل الأول هو: أحمد بن عبد الجبار العطاردي، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف.

وقال فيه مطين: كان يكذب.

أما الرجل الثاني فهو: عبد الله بن هرمز بن مسلم بن هرمز، قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف، وقال فيه الحافظ الذهبي: ضعفه ابن معين والنسائي.

إذاً: أيها الأحباب، الإسنادان لا يصحان بحال، ولا يصح أن يستشهد بهما في المتابعات والشواهد، فضلاً عن أن يحتج بهما في أمر من الأمور الواجبة، كما هو معلوم لكل طالب علم مبتدئ في علم الحديث.

إذاً: لا يصح الإسناد إلى ابن عباس رضي الله عنهما في أنه فسر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين، ويؤكد صحة ذلك ما ذكرته في أول اللقاء حينما فسر آية الإدناء بقوله: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة).

إذاً: الزينة الظاهرة هي: الثياب، وهي: ما يظهر من المرأة من غير عمد وعلى حين غفلة من المرأة، ومن علم أحوال النساء علم ذلك جيداً، فإذا هبت ريح فقد تكشف وجه المرأة، وإذا اضطرت المرأة حين شرائها وبيعها أن تكشف عن وجهها الغطاء فقد ينظر رجل خلسة إلى وجهها على حين غرة منها، هذه زينة تظهر من المرأة من غير عمد، ومن غير قصد، وهي بإذن الله لا تؤاخذ عليها، بدليل قول الله جل وعلا: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١].

الموضع الثاني في الآية هو: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] ومعنى ضرب الخمار على الوجه: تغطية الوجه، بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري ومسلم: (فخمرت وجهي بجلبابي)، وبدليل حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام.

الحديث رواه مالك وصححه الإمام ابن خزيمة وصححه الإمام ابن حبان ورواه الحاكم في المستدرك من طريقه وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وأقره الإمام الذهبي على ذلك في التلخيص.

ويؤكد ذلك أيضاً قول فاطمة بنت المنذر رحمها الله تعالى الذي أشرت إليه آنفاً قالت: كنا نخمر وجوهنا من الرجال في الإحرام ونحن مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها.

والأثر رواه الإمام الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرك الشيخين البخاري ومسلم، وأقره الذهبي على ذلك.

إذاً: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] المفهوم من ضرب الخمار هو: أن تضرب المرأة الخمار من رأسها، أو من على رأسها على وجهها، وما سميت الخمر خمراً إلا لأنها تغطي العقل، وقال الحافظ في تعريف الخمر: ومنه: خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها.

الموضع الثالث في هذه الآية: قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١] إذا كان الإسلام قد حرم على المرأة أن تضرب الأرض برجلها، خشية أن يفتتن الرجال بسماع صوت خلخالها، فبالله عليكم هل يحرم الإسلام على المرأة ذلك ثم يبيح لها أن تكشف وجهها الذي قد امتلأ نضارة وجمالاً وحسناً وتجميلاً وتزييناً؟! أي الفتنتين أعظم، فتنة الوجه أم فتنة القدم؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧]، ورحم الله من قال: إن الحجاب الذي نبغيه مكرمةٌ لكل مسلمة ما عابت ولم تعب نريد منها احتشاماً عفة أدباً وهم يريدون منها قلة الأدب يا رُب أنثى لها عزم لها أدب فاقت رجالاً بلا عزم ولا أدب ويا لقبح فتاة لا حياء لها وإن تحلت بغالي الماس والذهب إن الحجاب عفة، إن الحجاب مكرمة، إن الحجاب شرف، إن الحجاب مروءة، إن الحجاب إيمان، إن الحجاب طاعة، إن الحجاب امتثال لأمر الله وامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فيا أيتها اللؤلؤة المكنونة المسلمة، أيتها الدرة المصونة الغالية، والله ما نريد لك إلا العفة، والله ما أراد الإسلام لك إلا الكرامة، والله ما أراد الإسلام لك إلا أن يحميك من عبث العابثين ومجون الماجنين، والله ما نريد لك إلا الخير في الدنيا والآخرة.

أختاه! يا بنت الإسلام تحشمي لا ترفعي عنك الحجاب فتندمي صوني جمالك إن أردت كرامة فالناس حولك كالذئاب الحوم إي والله! كالذئاب الحوم، خاصة في زمان قل فيه الإيمان، وقل فيه الورع، وقل فيه الزهد، وقلت فيه التقوى، وإلى الله المشتكى، والله المستعان.

وأكتفي بهذا القدر من الأدلة القرآنية أحبتي في الله.