[بعض الدروس المستفادة من ابتلاءات النبي صلى الله عليه وسلم]
الدرس الثاني: في غزوة أحد شج وجه المصطفى وكسرت رباعيته ونزف الدم الشريف من جسده الطاهر، وهزم المسلمون؛ لسنة ربانية، ألا وهي: أنهم خالفوا أمر سيد البشرية، وانتشر الخبر في أرض المعركة: لقد قتل رسول الله، حتى ألقى بعض الصحابة أسلحتهم، وقال بعضهم: مات رسول الله، فما نصنع بعده؟! فقال أنس بن النضر -وحديثه في الصحيحين-: قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.
انتشر خبر موت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهزم المسلمون، وشج وجه المصطفى، وكسرت رباعيته، وانتصر المشركون، ومع ذلك تريد أن تقول: إن هذا الأمر ليس من الشر، وفيه من الخير ما الله به عليم؟! فأقول: بلى، فيه من الخير ما الله به عليم، وتدبر معي قوله تعالى في هذه الغزوة:{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٣٩ - ١٤٤].
أيها الموحدون! أراد الله بغزوة أحد وبهذه الحادثة الأليمة أن يعلم الصحابة أن العبد عبد، وأن الرب رب، ولو كان العبد هو المصطفى صلى الله عليه وسلم، أراد الله أن يعلم الصحابة والأمة من بعدهم درساً لا ينسى أبداً، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله، ورسول من عند الله، جاء ليبلغ الناس دين الله، وجاء ليربط الناس بالعروة الوثقى ثم يمضي إلى ربه وهم بالعروة الوثقى مستمسكون.
أراد الله أن يجعل عهد المسلمين معه سبحانه مباشرة لا مع أحد من خلقه، حتى إذا مات رسول الله بقي المسلمون على عهدهم مع الحي الذي لا يموت.
أراد الله أن يعلِّم المسلمين أن الدعوة أبقى من كل الدعاة، وأن الدعوة أكبر من كل الدعاة، وأن الدعاة يجيئون ويذهبون ويموتون، وتبقى الدعوة قائمة على مر الأيام والقرون، فلو ماتت الدعوة بموت داعية لماتت دعوة الإسلام بموت سيد الدعاة صلى الله عليه وآله ومن ولاه! فلا تحسبوه شراً لكم، بل هو خير لكم.